في سياق متصاعد من المواجهة بين السلطات الفرنسية وجماعة الإخوان المسلمين، تدخل باريس مرحلة جديدة من الصراع السياسي والمجتمعي، مدفوعة برغبة جامحة في كبح ما تعتبره تغلغلًا أيديولوجيًا يهدد ثوابت الجمهورية.
وبينما تتخذ الحكومة إجراءات أكثر صرامة ضد مؤسسات مرتبطة بالجماعة، يتجدد الجدل حول حدود حرية المعتقد مقابل مقتضيات الأمن القومي وصيانة الهوية الوطنية.
نفوذ متشعب.. وجمعيات تحت المجهر
تُشير التحركات الحكومية الأخيرة إلى أن باريس لم تعد تكتفي بمراقبة أنشطة جماعة الإخوان الإرهابية، بل انتقلت إلى سياسة الحصار القانوني والتنظيمي.
والتقارير الرسمية حذرت من تشكل شبكة متكاملة من الجمعيات والمساجد والمؤسسات التعليمية التي تخدم أهدافًا تتجاوز الأطر الدينية والثقافية، إلى غايات سياسية تهدف إلى ترسيخ نفوذ الجماعة في النسيج الفرنسي.
ووفق الأرقام المتداولة، فإن الجماعة باتت تتحكم بشكل مباشر أو غير مباشر في أكثر من 130 مسجدًا، وما يزيد عن 280 جمعية تغطي مجالات الرياضة والتعليم والثقافة، فضلًا عن شبكة من المدارس الخاصة التي تُقدر أعداد طلابها بالآلاف.
هذه الشبكات لا تعمل بصورة عشوائية، بل تنسج تفاعلاتها داخل المجتمع المدني مستفيدة من التمويلات الخارجية والأساليب غير المباشرة في التأثير، في محاولة لبناء ما يشبه البنية التحتية الموازية داخل المجتمع الفرنسي.
تضييق حكومي متصاعد
السلطات الفرنسية وضعت الإخوان في قلب استراتيجية أمنية وقانونية جديدة، تقوم على تفكيك البنى التنظيمية للجماعة، من خلال المراقبة المالية، والتحقيق في مصادر التمويل، والمراجعة الصارمة لأنشطة المراكز الدينية والتعليمية.
التوجه العام يعكس قناعة رسمية بأن الجماعة لم تعد مجرد تيار ديني، بل كيان سياسي يطمح إلى التأثير في القرار العام وتشكيل واقع اجتماعي موازٍ، يتنافى مع القيم العلمانية التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية.
صراع داخلي.. الأمن أم الحريات؟
القرارات الحكومية أثارت موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط السياسية والمجتمعية، بينما يدعو اليمين إلى حظر كامل للجماعة، ترى جهات أخرى أن التعامل الأمني الصارم قد يأتي بنتائج عكسية، إذ يعزز خطاب الضحية داخل الأوساط المسلمة ويؤجج مشاعر التهميش.
في هذا السياق، تطرح تساؤلات حقيقية حول ما إذا كانت الإجراءات المتخذة تساهم في تعزيز الاندماج، أم أنها تقود إلى مزيد من الانقسام داخل المجتمع الفرنسي. فالمعركة لم تعد مجرد مواجهة أمنية مع تنظيم ديني، بل تحوّلت إلى اختبار حاد لمبادئ الجمهورية نفسها.
رغم أن الجماعة لطالما لجأت إلى التكيف مع القوانين الفرنسية وتقديم نفسها كجزء من النسيج المدني، إلا أن هذا الخطاب يواجه اليوم شكوكًا عميقة.
الحصار القانوني والسياسي المعلن يضعها أمام لحظة حاسمة، إما إعادة تموضع جذري يتخلى عن الطموحات السياسية العابرة، أو مواجهة عزلة متزايدة قد تُنهي وجودها كمكوّن مؤثر في الساحة الفرنسية.
المواجهة بين فرنسا وجماعة الإخوان تتجاوز حدود الداخل الفرنسي، إذ تحمل أبعادًا إقليمية تتعلق بالنفوذ الفكري والسياسي للجماعة في أوروبا، ومدى قدرة الحكومات على ضبط تمويلات خارجية وتيارات عابرة للحدود.