كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تحقيق استقصائي نُشر اليوم الجمعة، عن اتهامات خطيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإطالة الحرب على قطاع غزة خلافًا لرؤية القيادة العسكرية، وبما يخدم مصالحه السياسية والشخصية.
واستند التحقيق، الذي استغرق إعداده ستة أشهر، إلى مقابلات مع أكثر من 100 مسؤول من إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي، إلى جانب مراجعة عشرات الوثائق الحكومية والسجلات السرية، ما يجعله من أعمق الدراسات التي تناولت خلفيات الصراع الأخير.
تجاهل التحذيرات والاستخبارات قبل الحرب
وبحسب التقرير، ساهمت سياسات نتنياهو تجاه حركة حماس قبل اندلاع الحرب في تمكين الحركة وتعزيز قدراتها، ففي يوليو/تموز 2023، تلقى نتنياهو تقييمًا استخباراتيًا حذر من أن خصوم إسرائيل، بمن فيهم حماس، رصدوا الانقسامات الداخلية التي فجرتها خطته المثيرة للجدل لإضعاف القضاء، وبدأوا الاستعداد لهجوم كبير.
ورغم هذه التحذيرات، تجاهل نتنياهو المخاطر ومضى في تمرير إصلاحاته القضائية، ما أدى إلى مزيد من الفوضى الداخلية، وهو ما دفع حماس للاعتقاد بأن الفرصة سانحة لتنفيذ هجومها المخطط منذ وقت طويل، في عملية عُرفت لاحقًا باسم «طوفان الأقصى».
تحركات سياسية لحماية السلطة أثناء الحرب
وبعد الهجوم، سعى نتنياهو إلى تحويل المسؤولية عن الإخفاقات الأمنية الكبرى نحو القادة العسكريين، بحسب التحقيق، وذكرت الصحيفة أن فريق نتنياهو حرّض المؤثرين الإعلاميين المقرّبين لإلقاء اللوم على الجنرالات، ومنع الجيش من توثيق اجتماعات رسمية، خشية تسريب معلومات قد تضر بموقعه السياسي.
كما رفض نتنياهو عرض زعيم المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، مفضلاً البقاء في ائتلاف هش مع أحزاب اليمين المتطرف، ما جعله رهينة لمطالبهم، خصوصًا المتعلقة بملف غزة، وإمكانية التوصل إلى هدنة مع حماس.
قرارات ميدانية لإطالة الحرب رغم اعتراض العسكريين
وبحسب «نيويورك تايمز»، اتخذ نتنياهو قرارات أطالت أمد العمليات العسكرية في غزة، رغم اعتراضات صريحة من قادة الجيش، الذين اعتبروا استمرار الحرب عديم الجدوى، وفي أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2024، استمر في العمليات العسكرية، رغم إبلاغه مرارًا بأن الأهداف الاستراتيجية قد تحققت، وأن القتال سيؤدي لمزيد من الخسائر دون مكاسب حقيقية.
كما انتهك هدنة كانت قد تم التوصل إليها في يناير/كانون الثاني، حين استأنف العمليات في مارس/آذار، استجابة لضغوط حلفائه اليمينيين، ولضمان استمرار تحالفه الحكومي الهش.
اعتبارات سياسية وشخصية تتغلب على الأمن القومي
ويؤكد التحقيق أن قرارات نتنياهو لم تكن خالية من الدوافع الشخصية، إذ استثمر استمرار الحرب في محاولة تمديد بقائه في السلطة، متجاهلًا التقييمات العسكرية والاستراتيجية التي أوصت بضرورة إنهاء الصراع.
وهذه الاستراتيجية جعلته في مواجهة مستمرة ليس فقط مع خصومه السياسيين في الداخل، بل أيضاً مع مؤسسات أمنية لطالما كانت داعمًا أساسيًا لحكوماته السابقة.
ما الذي يعنيه هذا لإسرائيل والمنطقة؟
لذا تشير هذه الاتهامات إلى أزمة ثقة عميقة بين القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، وقد تترك تداعيات خطيرة على قدرة الدولة في إدارة أزماتها الأمنية المستقبلية.
كما تطرح هذه الوقائع أسئلة جدية حول استعداد إسرائيل للانخراط في مفاوضات سياسية حقيقية، وإمكانية عودة الهدوء إلى غزة والمنطقة، في ظل قيادة تضع الحسابات الشخصية فوق المصلحة الوطنية.
ويكشف هذا التحقيق أن الحرب في غزة لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بحتة، بل ساحة صراع سياسي داخلي عميق في إسرائيل، تداخلت فيها اعتبارات بقاء السلطة مع استراتيجيات الأمن القومي.
وفي وقت يُطالب فيه كثيرون بمراجعة شاملة للسياسات الإسرائيلية تجاه غزة، يظل مصير هذه الحرب مرهوناً بقرارات قد تتجاوز المنطق العسكري، لتدخل في حسابات شخصية وسياسية أوسع.