في خطوة جديدة ضمن استراتيجيتها الشاملة لمواجهة “الإسلام السياسي”، أعلنت الحكومة الفرنسية اتخاذ إجراءات صارمة ضد شخصيات وكيانات مرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين، من بينها إدريس سهامي، الذراع اليمنى السابق لطارق رمضان في فرنسا، ومؤسس موقع «قباب ومآذن».
إدريس سهامي وجمعية “بركة سيتي” في مرمى العقوبات
وبعد الضجة الإعلامية التي أحدثها قرار تجميد أصول “المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية” في يونيو/حزيران الماضي، كشفت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن وزارة الداخلية الفرنسية استهدفت ما لا يقل عن 12 كيانًا آخر، من ضمنها دور نشر وشخصيات عامة، ضمن حملة تجميد الأصول التي دخلت حيّز التنفيذ منذ أوائل الشهر الماضي.
ومن بين الأسماء البارزة، جاء إدريس سهامي، رئيس جمعية “بركة سيتي”، التي حظرتها السلطات الفرنسية عام 2020 في إطار جهودها لمحاربة التطرف، فسهامي، الذي كان يوصف بأنه “الذراع اليمنى” لحفيد مؤسس الإخوان، غادر فرنسا ليستقر في بريطانيا بعد حل جمعيته.
وتأسست “بركة سيتي” عام 2011، وحققت شهرة كبيرة من خلال حملات تبرعات ضخمة خلال شهر رمضان عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث كانت تجمع ملايين الدولارات بدعوى تمويل مشاريع إنسانية.
غير أنّ تقارير أمنية وأصوات داخل المجتمع المدني حذرت مرارًا من استغلال تلك الأموال لدعم أجندات متطرفة تُهدد تماسك المجتمع الفرنسي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، وبعد حادثة قتل أستاذ التاريخ والجغرافيا، صرّح وزير الداخلية حينها، جيرالد دارمانان، بأن مجلس الوزراء قرر حل “بركة سيتي”، مؤكدًا ارتباطها بـ”التيار المتطرف” وتبريرها “للأعمال الإرهابية”، وفق ما نقلته وكالة “فرانس برس”.
خنق مالي وتشريعي في مواجهة “التغلغل الإخواني”
وتأتي هذه الخطوات بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب اجتماع مجلس الدفاع في 7 يوليو/تموز الجاري، عن تبنّي سياسة أكثر تشددًا تجاه الجمعيات والشخصيات ذات الخلفية “الإخوانية”، وأشار ماكرون إلى مشروع قانون جديد يستهدف “التغلغل الإخواني” والانفصالية، من خلال إجراءات تشمل مراقبة مشددة، وتجميد الأصول، وفرض عقوبات إدارية فورية، في محاولة لحماية قيم الجمهورية.
وشدد ماكرون، خلال مؤتمر صحفي، على ضرورة تمرير مشروع القانون في البرلمان قبل نهاية الصيف، ليصبح ساري المفعول بحلول نهاية العام الجاري، مؤكّدًا أن هذه الخطوة تُعدّ حاسمة لتأمين التعايش السلمي ومواجهة المخاطر التي تشكلها الأيديولوجيات المتطرفة.
معركة متجددة بين باريس والتنظيمات العابرة للحدود
ويرى محللون سياسيون ودستوريون في فرنسا أن هذه الإجراءات جزء من معركة شاملة ضد النفوذ المتزايد لجماعات الإسلام السياسي، التي تسعى للتغلغل في المجتمع الفرنسي عبر التعليم، والإعلام، والجمعيات الخيرية.
ويُشير خبراء إلى أن استمرار الحزم الفرنسي مرهون بتكامل الجهود الأمنية والقانونية، والقدرة على كسب الدعم الشعبي في مواجهة محاولات استغلال الخطاب الديني لأهداف سياسية.
فرنسا تُعيد رسم خطوط المواجهة
وبينما تشدد باريس قبضتها على مصادر التمويل والنشاطات الخيرية المشبوهة، يلوح في الأفق تصعيد أكبر ضد الجمعيات التي تشتبه الحكومة في تبعيتها الفكرية أو المالية للإخوان.
ووسط تأييد شعبي واسع، تبدو فرنسا ماضية في مسار مواجهة “التغلغل الإخواني” بكل الوسائل، في إطار الدفاع عن نموذجها العلماني وضمان تماسك مجتمعها.