عاد الجنوب اللبناني ليكون بؤرة اشتعال إقليمي بعد هدوء نسبي استمر عدة أشهر، إسرائيل شنّت سلسلة غارات جوية مركزة استهدفت مواقع في محيط النبطية، كفر رمان، والجنوب الشرقي، وصولاً إلى شمال لبنان، حيث طالت مناطق بوداي وكفر ملكي.
ووصفت تل أبيب العمليات بأنها استهداف “لبنى تحتية عسكرية وأهداف استراتيجية” لحزب الله المدعوم من إيران، معتبرة أن وجود تلك المنشآت يعد خرقًا صارخًا للتفاهمات الأمنية السابقة.
اغتيال خالد الأحمد.. شرارة التصعيد
وقد شكل اغتيال القيادي في حركة حماس، خالد أحمد الأحمد، في جنوب لبنان، نقطة تحول خطيرة في المشهد الأمني، حيث تبني إسرائيل للهجوم عزز القناعة بأن الجنوب بات ميدانًا لتصفية الحسابات الإقليمية، في ظل تداخل بين فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله.
الاغتيال جاء ضمن حملة متصاعدة من الاستهدافات النوعية، ما يعكس انكشافًا أمنيًا كبيرًا في بيئة يفترض أنها محسوبة لحزب الله، ويطرح تساؤلات حول قدرة الحزب على ضبط إيقاع التصعيد.
اتفاق هش وتفاهمات تخرق
اتفاق وقف إطلاق النار، الذي رعته باريس وواشنطن في نوفمبر الماضي، لم يصمد طويلًا، فقد نص الاتفاق على انسحاب حزب الله جنوب نهر الليطاني، وتفكيك بنيته العسكرية هناك، مقابل انسحاب إسرائيلي من خمس تلال استراتيجية وانتشار قوات الجيش اللبناني و”اليونيفيل”.
لكن في الواقع، أبقت إسرائيل على نقاط تمركزها، وواصل الحزب تسيير طائرات استطلاع وتحركات عسكرية رمزية، ما جعل الاتفاق هشًا وقابلاً للانهيار عند أول احتكاك جدي.
رسائل بالنار قبل التفاوض
تزامن التصعيد العسكري مع أنباء عن زيارة قريبة للمبعوث الأميركي الخاص توماس براك إلى بيروت، محملاً بورقة تفاوضية جديدة تتعلق بتسوية طويلة الأمد تتضمن نزع سلاح حزب الله.
لكن الغارات الجوية الإسرائيلية والردود المتفرقة من الحزب تبدو كأنها رسائل بالنار تسبق الجلوس إلى الطاولة، وتكشف أن أياً من الطرفين غير مستعد لتقديم تنازلات تحت الضغط.
حزب الله: لا تسوية على حساب “المقاومة”
قبل وصول المبعوث الأميركي، رفع حزب الله منسوب خطابه، على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، مؤكدًا أن الحزب “لن يستسلم” ولن يقبل بأي معادلة جديدة تتضمن التخلي عن السلاح.
وأكد قاسم، أن أي حل يجب أن يتضمن انسحابًا إسرائيليًا كاملاً ووقفًا لسياسة الاغتيالات وإطلاق مشاريع الإعمار، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد التفاوضي، ويضع شروطًا يصعب على أي وسيط دولي تلبيتها دفعة واحدة.
إسرائيل تلوح بالحسم
من جهتها، تحذر إسرائيل عبر تصريحات مباشرة لوزير دفاعها، يسرائيل كاتس، من أن “الصبر بدأ ينفد”، وتتهم تل أبيب الحزب بتنفيذ أجندة إيرانية في المنطقة، وهو ما يعيد الجنوب إلى نقطة اللااستقرار، ويضع كل الاحتمالات على الطاولة، من تصعيد محسوب إلى مواجهة شاملة لا يريدها أحد، لكنها تبقى ممكنة.
في خضم كل هذه التطورات، تبدو الدولة اللبنانية غائبة أو عاجزة عن التأثير، رئيس الوزراء نواف سلام أقر بوجود خلل مزمن في تنفيذ اتفاق الطائف، وعلى رأسه بند حصر السلاح بيد الدولة، معتبرًا أن غياب القرار السيادي سهّل تغوّل القوى المسلحة غير الرسمية، وترك الحدود رهينة لمعادلات تتجاوز سلطة الحكومة المركزية.