عاد الجدل السياسي في فرنسا ليتصاعد من جديد بشأن العلاقة الغامضة بين اليسار الراديكالي، ممثلًا في حزب “فرنسا المتمردة”، وشبكات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية.
هذا التقارب، الذي يراه البعض تكتيكًا انتخابيًا بحتًا، بدأ يأخذ شكلًا أكثر عمقًا، ما أثار المخاوف من اختراق أيديولوجي يهدد النموذج العلماني للجمهورية الفرنسية.
رغم إنكار الحزب لأي علاقة مؤسسية مع هذه الشبكات، فإن التحليلات تشير إلى أن التحالفات غير المعلنة أصبحت واقعًا ضمنيًا، خاصة في المناطق الحضرية التي تضم جاليات مسلمة كبيرة.
التداخل المعقد يعيد طرح سؤال محوري: هل أصبحت الديمقراطية الفرنسية عرضة للتلاعب من قبل جماعات تحمل أجندات دينية تتعارض مع قيم الجمهورية؟
لجنة تحقيق تكشف المستور
في الثاني من يوليو، أُعلن عن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بمبادرة من رئيس كتلة الجمهوريين لوران فوكييه، للتحقيق في الروابط بين مسؤولين سياسيين وشبكات إسلامية متطرفة، بالرغم أن تسمية اللجنة جاءت محايدة، فإن الأوساط السياسية الفرنسية فهمت سريعًا أن الهدف المباشر هو حزب فرنسا المتمردة بزعامة جان-لوك ميلانشون.
أول الصدمات جاءت مع استقالة النائبة الاشتراكية صوفي بانتيل من رئاسة اللجنة، احتجاجًا على ما وصفته بغياب التوازن السياسي.
وتولى قيادة اللجنة نواب من اليمين المتطرف واليمين التقليدي، وهو ما اعتبره اليسار محاولة لتسييس التحقيق وتحويله إلى أداة استهداف.
الإخوان وفرنسا المتمردة.. تحالف مصالح
ويرى خبراء، أن العلاقة بين فرنسا المتمردة وجماعة الإخوان الإرهابية لم تنشأ من فراغ، بل تطورت على مدار سنوات عبر خطاب سياسي يجيد اللعب على وتر الحريات والتمييز.
وبحسب الدكتور بنجامين روسييه من مركز مونتين في باريس، فإن الحزب صاغ خطابه في الضواحي استنادًا إلى شعارات الدفاع عن الأقليات ومكافحة الإسلاموفوبيا، وهي موضوعات تستغلها الجماعة بمهارة لتبرير وجودها السياسي.
ورغم أن الحزب لم يعلن صراحة تحالفه مع الإخوان، إلا أن مواقفه في عدد من القضايا مثل قانون الانعزالية الإسلامية وحظر الحجاب في المدارس، تتماهى مع سرديات الجماعة التي تسعى لتقويض العلمانية الفرنسية من الداخل.
روسـييه يعتبر أن ما يحدث هو محاولة تطبيع تدريجي لوجود جماعة تحمل مشروعًا سياسيًا عابرًا للحدود، ويشكّل تهديدًا صريحًا للقيم الجمهورية.
الإخوان.. اختراق مزدوج بين اليسار واليمين
من جهتها، تؤكد الباحثة كلارا لوغريه من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن جماعة الإخوان لا تراهن على جناح سياسي واحد، بل تتقن اللعب على التناقضات السياسية الفرنسية.
في الوقت الذي تواجه فيه قمعًا وتشديدًا من الحكومات اليمينية، تجد مساحة أوسع للتحرك داخل صفوف اليسار، لا سيما الراديكالي، الذي يخشى اتهامات بالعنصرية أو تقييد الحريات.
وبينما يشدد اليمين الفرنسي من قبضته عبر قوانين تضبط تمويل الجمعيات الإسلامية وتغلق المساجد المخالفة، يظل اليسار أكثر تحفظًا في اتخاذ مواقف حاسمة، وهو ما استغلته الجماعة لبناء حضورها السياسي.
وتحذر لوغريه من لحظة مفصلية تمر بها فرنسا، حيث باتت مؤسساتها عرضة لاختراق أيديولوجي خطير، قد يؤدي إلى تآكل أسس العلمانية إذا لم يُواجه بحسم.