في حادثة تعكس التدهور الحاد في بيئة الحريات والرقابة داخل مدينة تعز اليمنية، أقدمت السلطات الأمنية الخاضعة لحزب “الإصلاح” – الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية – على توقيف الناشط الحقوقي عدنان الأثوري، بعد أن فضح واقعة ابتزاز مرضى داخل مستشفى الجمهوري العام خلال مخيم طبي مجاني للعيون.
الأثوري، وهو رئيس اللجنة الإعلامية في الاتحاد التربوي بتعز، نشر على حسابه في “فيسبوك” معلومات موثقة عن تورّط أحد الجنود في عملية الابتزاز، داعيًا إلى فتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين عن هذا السلوك.
استدعاء أمني.. واحتجاز بلا تحقيق
بدلاً من التجاوب مع مطالبه وفتح تحقيق شفاف، قامت إدارة جرائم المعلومات باستدعاء الأثوري رسميًا، ليتم تحويله لاحقًا إلى نيابة الجمهوري واحتجازه داخل مقرها، دون أن تتخذ أي خطوة للتحقق من الوقائع التي كشفها.
المصادر الحقوقية اعتبرت هذا الإجراء “مؤشرًا خطيرًا على تحول الأجهزة الأمنية إلى أداة لقمع الرقابة الشعبية بدل حماية المواطنين”، مشيرة أن السلطة القضائية والأمنية في تعز تخضع لتوجيهات سياسية مباشرة من حزب “الإصلاح”.
بيئة مختنقة.. وصمت على فساد المستشفيات
مصادر محلية وصفت ما يجري في مستشفيات تعز بأنه “امتداد لسياسة ممنهجة لإسكات كل صوت رقابي”، خصوصًا تلك الأصوات التي تجرؤ على كشف الفساد داخل المؤسسات الخدمية، وعلى رأسها المستشفيات العامة.
الحادثة فجرت غضبًا واسعًا بين الأوساط الحقوقية والمدنية، حيث اتهم نشطاء السلطات بـ”قلب الأدوار”، عبر تحويل المبلغ عن الجريمة إلى متهم، بينما يظل الفاسدون والمتورطون في الابتزاز خارج دائرة المساءلة.
تضامن واسع.. واتهامات بالإفلات من العقاب
ردود الفعل الشعبية والحقوقية جاءت سريعة. فقد أصدرت منظمات مدنية بيانات تضامن مع الأثوري، منددة بما وصفته بـ”القمع الناعم” الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع في تعز، محذرة من تزايد حالات استهداف الناشطين والرقابيين عبر أدوات قانونية مسيسة.
وطالبت المنظمات بـالإفراج الفوري عن عدنان الأثوري، وفتح تحقيق نزيه في وقائع الابتزاز داخل المستشفى، مؤكدة أن “التستر على الجناة ومحاسبة المبلغين يفتح الباب واسعًا أمام تكرار الانتهاكات بحق المرضى والمواطنين”.

تحذيرات متعددة أطلقتها جهات مستقلة من أن قطاع الصحة في تعز، الذي يفترض أن يكون ملاذًا إنسانيًا، بات يتحول تدريجيًا إلى مركز نفوذ سياسي وأمني، يستغل لإعادة إنتاج الفساد وترهيب كل من يكشف عنه.
وبحسب حقوقيين، فإن هذه الحادثة ليست الأولى، بل تأتي ضمن سلسلة من الاعتداءات على حرية التعبير، ورفض المساءلة، وغياب الشفافية في المؤسسات الخدمية، خاصة في بيئة يسودها غياب الإعلام الحر وتهميش القضاء المستقل.
في مدينة تعز، التي لطالما وصفت بـ”قلعة الثورة” و”رمز المقاومة”، يتصاعد اليوم القلق من أن تتحول إلى ساحة مغلقة أمام الرقابة الشعبية والنقد البناء.
التحكم السياسي بمفاصل الأمن والقضاء، كما توضح حالة الأثوري، يجعل من معركة مكافحة الفساد تحديًا وجوديًا لكل من يسعى لحماية المواطن وحقوقه.