كشفت مصادر مطلعة في بيروت وتل أبيب، عن تراجع ملحوظ في الجاهزية العسكرية لحزب الله اللبناني بعد أسابيع من التصعيد على جبهة غزة، فقد أُعلن عن خروج نحو 10 آلاف مقاتل من الخدمة، سواء بسبب إصابات جسدية أو نفسية، أو لأسباب لوجستية تتعلق بإعادة الانتشار.
وإلى جانب ذلك، قُتل آلاف المقاتلين، بينهم قيادات ميدانية بارزة مسؤولة عن التدريب والتخطيط العملياتي، وتعتبر هذه الخسائر من أكبر الضربات البشرية التي يتعرض لها الحزب منذ حرب يوليو 2006 مع إسرائيل.
انسحاب جماعي وإغلاق مراكز تدريب
ونتيجة لهذه الخسائر، انسحب أكثر من 2000 مقاتل إضافي بشكل فردي أو جماعي من صفوف الحزب، خوفًا من الاستهداف أو بسبب تراجع الحوافز المالية والاجتماعية.
كما جرى إغلاق عدة مراكز تدريب عسكرية في جنوب لبنان والبقاع، وهي مراكز كانت تُستخدم لإعداد المقاتلين الجدد وتجهيز وحدات النخبة، ويشير خبراء إلى أن هذا الإغلاق يعكس صعوبة الحزب في تجنيد مقاتلين جدد وتعويض الخسائر الأخيرة، وفق تصريحات مسؤولين أمنيين في بيروت وتل أبيب، منشورة في صحيفتي هآرتس والنهار.
تداعيات على الجبهة الشمالية لإسرائيل
ويرى محللون عسكريون إسرائيليون، أن هذا التراجع في قدرات حزب الله سيؤثر مباشرة على التوازن في الجبهة الشمالية، ما يفتح المجال أمام الجيش الإسرائيلي لتعزيز تحركاته وقواعده دون خشية هجمات مباغتة.
وفي المقابل، يرى محللون لبنانيون، أن حزب الله قد يعمد إلى إعادة ترتيب صفوفه، مستغلًا شبكة الدعم الإيرانية، وربما يلجأ إلى تجنيد مقاتلين جدد من سوريا أو العراق لتعويض النقص، بحسب تحليل مركز الدراسات الأمنية في تل أبيب (INSS).
وشكل مقتل عدد من القيادات الميدانية ضربة قاسية للبنية التنظيمية، إذ فقد الحزب شخصيات كانت تدير غرف العمليات والتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، وتشير المعلومات أن بعض هذه القيادات كانت مسؤولة عن تطوير الصواريخ الدقيقة وتوجيه الهجمات على شمال إسرائيل.
هل يتحول الضغط الداخلي إلى أزمة وجودية؟
وفي الداخل اللبناني، تتصاعد الانتقادات للحزب، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية وانهيار الخدمات العامة، لذا فخروج آلاف المقاتلين، مع تراجع شعبيتهم في بعض المناطق الشيعية، قد يعيد طرح أسئلة حول جدوى استمرار الانخراط في حروب إقليمية بعيدًا عن الحدود اللبنانية، وفقا لتقارير خاصة صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (WINEP).
ومنذ تأسيسه، اعتمد حزب الله على الدعم الإيراني في التمويل والتدريب والتسليح، وشارك في عدة جبهات، أبرزها الحرب السورية، لكنه في السنوات الأخيرة وجد نفسه مضطرًا لموازنة أولوياته بين الانخراط الإقليمي وضغوط الداخل اللبناني، وهو ما يفسر هشاشة موقفه الحالي بعد حرب غزة.
مقاتلي حزب الله.. هيكل هرمي ومهام متعددة
ويُقدَّر قوام المقاتلين النشطين في حزب الله بحوالي 45 ألف مقاتل، بينهم ما بين 20 إلى 25 ألف مقاتل محترف مدرَّب تدريبًا عسكريًّا متقدّمًا، إضافة إلى حوالي 20 ألف عنصر احتياطي موزعين في خلايا محلية وريفية.
ويعتمد الحزب في بنيته على نظام هرمي صارم، حيث تنقسم القوات إلى وحدات متخصصة، مثل: وحدات النخبة (مثل وحدة “الرضوان”)، وهي قوات هجومية عالية التدريب، مدربة على الهجمات البرية والعمليات عبر الحدود، ووحدات الصواريخ والمدفعية، المسؤولة عن إطلاق الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وتعدّ العمود الفقري لقدرة الحزب في الردع.
كما تضم وحدات الدفاع المحلي، المنتشرة في القرى والبلدات الشيعية، ومهمتها حماية المناطق الداخلية والسيطرة الأمنية، والوحدات الاستخباراتية والأمنية، المعنية بجمع المعلومات ومراقبة التحركات الإسرائيلية وحتى مراقبة الخصوم داخل لبنان.
ويشير محللون ، أن الحزب اعتمد خلال العقد الماضي على التجنيد الإقليمي، حيث استعان بمقاتلين من سوريا والعراق واليمن، ضمن ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، ما منح الحزب قدرات بشرية إضافية، لكنه في الوقت نفسه زاد من اعتماد الحزب على التمويل والدعم الخارجي، خاصة من إيران.
لكن الخسائر الأخيرة في غزة وما تبعها من خروج 10 آلاف مقاتل ومقتل قيادات بارزة، شكلت ضربة قاسية لهذا الهيكل، إذ تسببت في إضعاف وحدات النخبة، وأثرت على قدرة الحزب في إدارة عملياته المعقدة، وأجبرت القيادة على إغلاق مراكز تدريب، وتقليص برامج التجنيد.
مرحلة انتقالية قد تعيد رسم مستقبل الحزب
لذا يبدو أن حزب الله يدخل مرحلة انتقالية حساسة، قد تعيد تشكيل استراتيجيته ونفوذه في المنطقة، فخسائره البشرية، انسحاب المقاتلين، وإغلاق مراكز التدريب، كلها عوامل تشير إلى تراجع الجاهزية القتالية، ما يطرح تساؤلات عن قدرته على الصمود في أي مواجهة كبرى مستقبلية.