كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن تصاعد المخاوف بشأن انهيار النظام الأمني العالمي، الذي لطالما حال دون توجه الدول نحو امتلاك الأسلحة النووية، فالاشتباك الأخير بين إيران وإسرائيل، مدعومًا بضربات الطائرات الحربية الأمريكية، أثار هزة قوية قد تدفع مزيدًا من الدول لإعادة التفكير في برامجها النووية والسعي وراء القنبلة النووية.
الضربات الأمريكية ضد البرنامج النووي الإيراني
ورغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن «التدمير الكامل» للبرنامج النووي الإيراني عقب انضمام الطائرات الأمريكية للهجمات الإسرائيلية، إلا أن التقديرات الاستخباراتية الأمريكية أظهرت واقعًا مختلفًا، فالتقرير الاستخباراتي المبدئي قدّر أن الغارات التي استهدفت ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران، أعاقت البرنامج النووي لبضعة أشهر لكنها لم تنهِه تمامًا.
وفي تفاصيل جديدة، اعترضت أجهزة الاستخبارات اتصالات بين مسؤولين إيرانيين بارزين، أظهرت اعتقادهم أن الضربات الأمريكية كانت أقل تدميرًا مما توقعوا، ما يعزز المخاوف حول قدرة إيران على إعادة بناء وتطوير قدراتها النووية في وقت قصير.
انسحاب محتمل لإيران من معاهدة حظر الانتشار النووي
ورغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وإيران، فإن حالة عدم الثقة ما تزال تسيطر على الأجواء الإقليمية، ووسط هذه الفوضى، تتزايد التكهنات بإمكانية انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تعتبر أداة أساسية للحد من انتشار القنابل النووية حول العالم.
وقد يفتح هذا الانسحاب المحتمل الباب أمام طهران للتحرك بحرية نحو تطوير سلاح نووي بعيدًا عن أعين المراقبين الدوليين، وهو ما سيشكل تصعيدًا كبيرًا في المنطقة، وحتى الآن، لم يتم التأكد مما إذا كانت إيران قد سحبت أو خبأت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، الذي يعد خطوة متقدمة نحو التخصيب بنسبة 90% اللازمة لإنتاج قنبلة نووية.
الطريق إلى القنبلة النووية.. أقصر مما نتصور
وبحسب تحليلات خبراء، لا تحتاج إيران إلى جهد كبير لتصل إلى مستوى التخصيب الكامل لصنع قنبلة نووية، حيث أوضح جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن سلسلة واحدة من أجهزة الطرد المركزي «IR-6» تكفي لتخصيب اليورانيوم عالي النقاوة في غضون 10 إلى 20 يومًا فقط.
ومن جانبه، أشار خبير مراقبة الأسلحة جيفري لويس، أن إيران كانت دائمًا على بُعد أشهر قليلة من امتلاك السلاح النووي منذ عام 2007، وأن ما يمنعها حتى الآن هو الإرادة السياسية، لا القدرة التقنية، ويرى لويس أن أي خسائر تقنية عانت منها طهران مؤخرًا قد يقابلها إصرار سياسي أكبر على المضي قدمًا.
سباق التسلح النووي العالمي يشتعل مجددًا
ولا يقاصر القلق على إيران وحدها؛ إذ أشار التقرير أن الاتفاقيات النووية بين الولايات المتحدة وروسيا ستنتهي العام المقبل، بينما تواصل الصين تعزيز ترسانتها النووية، وتوسع كوريا الشمالية قدراتها بشكل مطرد.
وفي المقابل، تتأخر واشنطن في تحديث برنامجها النووي، ما يخلق عاصفة تهديدات نووية جديدة تهدد أمنها وأمن حلفائها، وبدأت حتى بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة في إعادة تقييم جدوى تعزيز برامجها النووية الخاصة، في ظل الشكوك المتزايدة بقدرة واشنطن على حمايتها.
نظام الردع النووي العالمي على المحك
واختتمت الصحيفة تحليلها بتحذير من أن ظهور مزيد من القوى النووية، سواء كانت حليفة أو خصمة، سيعيد فتح “صندوق باندورا” الذي سعت واشنطن وحلفاؤها جاهدين لإبقائه مغلقًا لعقود، فإذا تحققت هذه السيناريوهات، فإن مستقبل النظام الأمني العالمي سيكون أكثر هشاشة، مما يزيد من خطر الانتشار النووي ويهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
ورغم استمرار وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران، تبدو المنطقة والعالم كله على أعتاب مرحلة جديدة من سباق التسلح النووي، فبقاء الإرادة السياسية، تزايد الشكوك في المعاهدات، وضعف الردع الدولي، كلها عوامل تدفع باتجاه مستقبل أكثر خطورة، لذا يصبح تكرار كلمة «سباق التسلح النووي» في النقاشات والتحليلات أمرًا أساسيًّا، لأنه يعكس التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الدولي في العقود القادمة.