تواجه المحافظات الجنوبية في اليمن، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، أزمة غذائية حادة تهدد حياة الملايين، في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتصاعد الصراع، وسياسات التجييع الممنهجة التي تمارسها مليشيا الحوثي.
فقد حذرت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة، هي منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة اليونيسف، في بيان مشترك، من أن “ما يقرب من نصف سكان هذه المناطق يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويكافحون يوميًا لتأمين وجبتهم التالية”.
أرقام مفزعة تكشف عمق الكارثة
البيان الأممي أشار أن تحديث التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي IPC للفترة من مايو إلى أغسطس 2025، أظهر أن 4 ملايين و95 ألف شخص يواجهون مستويات من الجوع ترقى إلى “مرحلة الأزمة” أو ما هو أسوأ، من بينهم 1.5 مليون في حالة طوارئ غذائية حرجة.
هذا الرقم يُمثّل زيادة قدرها 370 ألف شخص مقارنة بالفترة السابقة، ما يعكس التدهور المتسارع في الوضع المعيشي للسكان، لا سيما مع انهيار قيمة الريال اليمني الذي تجاوز 2750 ريالاً مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ بداية الأزمة.
سيناريوهات أشد خطورة في الأفق
وبحسب البيان، فإن الوضع مرشح للتدهور أكثر بين سبتمبر 2025 وفبراير 2026، مع احتمال انضمام 420 ألف شخص إضافي إلى دائرة انعدام الأمن الغذائي، ليرتفع العدد الإجمالي إلى أكثر من 5 ملايين شخص، ما يعني أن أكثر من نصف سكان المحافظات الجنوبية سيكونون في مواجهة مباشرة مع الجوع، إذا لم يتم تقديم مساعدات عاجلة ومستدامة.
تتداخل عدة أزمات لتُفاقم الوضع المعيشي، أبرزها استمرار الحرب منذ أكثر من عقد، والتدهور الحاد في الاقتصاد، والانقسامات السياسية، وسيطرة الحوثيين على المؤسسات والإيرادات، وفرضهم قيودًا على المساعدات الإنسانية.
كما تعاني المناطق الجنوبية من تأثيرات التغير المناخي وارتفاع وتيرة الكوارث الطبيعية، التي ألحقت أضرارًا واسعة بالبنية التحتية الزراعية ومصادر المياه.
ورغم الهدنة الهشة التي بدأت في أبريل 2022، إلا أن جماعة الحوثي ما تزال تمارس سياسات اقتصادية تؤثر سلبًا على حياة المواطنين في مناطق الحكومة، من خلال فرض رسوم وضرائب باهظة على شحنات الغذاء والوقود، وإغلاق المعابر، ومنع مرور المساعدات، مما يساهم في تفاقم الأزمة بجنوب البلاد.
وتُتهم الجماعة بتسييس المساعدات الإنسانية واستخدامها كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، إضافة إلى التحكم في تدفقات الوقود والسلع الأساسية إلى المحافظات الخاضعة للحكومة، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
قالت منظمات الفاو واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي: إنها تقوم حاليًا بـ”إعادة ترتيب أولويات التدخلات الإنسانية، من خلال استهداف المناطق عالية الخطورة ببرامج متكاملة تشمل الأمن الغذائي، والتغذية، والمياه، والصحة، والحماية”، في محاولة لتقليل أثر الكارثة.
لكن هذه الجهود تبقى غير كافية أمام التحديات الكبيرة، في ظل نقص التمويل، وضعف الاستجابة الدولية، وتصاعد القيود المفروضة على إيصال المساعدات.