مع استمرار التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، لا تتوقف الأضرار عند حدود الخسائر البشرية أو التدمير الميداني، بل تمتد إلى العمق الاقتصادي للدولتين، ففي الوقت الذي تشتعل فيه جبهات القتال بالصواريخ والغارات الجوية، تتعرض الأسواق، والمؤسسات المالية، والبنى التحتية الحيوية لضغط غير مسبوق.
وهو ما يثير تساؤلات كبرى حول من سيدفع الثمن الحقيقي لهذه الحرب إذا استمر النزاع أو تحوّل إلى صراع مفتوح طويل الأمد.
إيران.. اقتصاد مثقل بالعقوبات يترنّح تحت نيران الحرب
وفيما يخص إيران، فيبلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران نحو 388 مليار دولار (2024)، وهو اقتصاد هش يعاني من عقوبات أمريكية وأوروبية قاسية منذ أكثر من عقد.
ومع دخول التصعيد العسكري مرحلة متقدمة، تشير تقديرات أولية إلى أن الخسائر المباشرة في البنى التحتية والمنشآت النفطية قد تتجاوز 25 مليار دولار خلال الأسابيع الأولى فقط من القتال.
النفط… شريان اقتصادي تحت الاستهداف
وتعمد إيران على صادرات النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، ولكنها خسرت خلال الأسابيع الأخيرة أكثر من 1.3 مليون برميل من الإنتاج اليومي بسبب استهداف منشآت حيوية كمصفاة “عبادان” وموانئ تصدير في الخليج العربي.
ويُقدَّر أن العائدات النفطية انخفضت بنسبة 40% خلال أيام معدودة، مع اضطرابات في شبكات النقل والتخزين.
التومان الإيراني.. ضحية الحرب
فيما سجل سعر صرف التومان انخفاضًا حادًا أمام الدولار، متراجعًا من 58,000 تومان للدولار إلى أكثر من 73,000 تومان خلال أسبوعين فقط، ما أدى إلى موجة تضخم داخلي تجاوزت 40% في السلع الأساسية، واحتجاجات في عدة مدن بسبب غلاء المعيشة.
الصناعة والبنية التحتية
كما استهدفت الغارات الإسرائيلية عشرات المصانع والمراكز التقنية المرتبطة بإنتاج الصواريخ والطائرات المسيّرة، .
وتشير تقارير استخباراتية إلى تدمير نحو 60% من خطوط إنتاج الصناعات الدفاعية، مما يُنذر بتراجع استراتيجي طويل المدى في قدرة إيران على إعادة التسلّح.
إسرائيل – اقتصاد قوي حساس للهزات الأمنية
ومن الناحية الأخرى، تملك إسرائيل اقتصادًا أكثر تنوعًا، ويبلغ ناتجها المحلي نحو 525 مليار دولار (2024)، مع قطاع تقني ومالي قوي، لكن تكلفة التعبئة العسكرية وإغلاق قطاعات حيوية يُكلف إسرائيل نحو 1.2 مليار دولار يوميًا بحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية.
البورصة وسوق المال
كما شهدت بورصة تل أبيب أسوأ موجة هبوط منذ 2014، مع خسارة ما يقارب 9% من القيمة السوقية خلال أسبوعين، وتراجعت أسهم شركات التكنولوجيا والدفاع، فيما عمد المستثمرون إلى سحب السيولة واللجوء إلى الملاذات الآمنة.
التوظيف وتعليق الأعمال
وتسببت الحرب في شلل قطاعات السياحة، والطيران، والترفيه، وعلّقت آلاف الشركات أعمالها بسبب التهديدات الصاروخية المستمرة، وتشير وزارة الاقتصاد الإسرائيلية أن نحو 300 ألف موظف تأثروا مباشرة نتيجة الإغلاق أو الإخلاء، مع تصاعد التكاليف المعيشية بنسبة تفوق 12%.
تكلفة الدفاع
ووفقًا لمركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب، فإن تكلفة تشغيل القبة الحديدية ومقلاع داوود وحدها تجاوزت 6 مليارات دولار في أقل من شهر، مع استهلاك أكثر من 8,000 صاروخ اعتراضي، يبلغ متوسط تكلفة الواحد منها 50,000 دولار.
أسعار النفط والأسواق العالمية
فيما ارتفع سعر برميل النفط من 82 دولارًا إلى 108 دولارات في أقل من ثلاثة أسابيع، ما انعكس على أسواق الطاقة الأوروبية والآسيوية، وتسبب بارتفاع كلفة النقل والتأمين بنسبة 22% عالميًا.
التجارة واللوجستيات
وزاد التوتر في مضيق هرمز وتهديد الممرات البحرية من أسعار الشحن بنسبة 35%، وأجبر عشرات السفن التجارية على تغيير مساراتها. شركات عالمية بدأت تعليق التعامل مع موانئ الخليج وإسرائيل خوفًا من تعرّضها لهجمات.
من يتحمّل الخسائر أكثر؟
وخلاصة، تشير المقارنات الاقتصادية بين إيران وإسرائيل إلى أن الكلفة المترتبة على إيران تبدو أكثر عمقًا وشمولًا، رغم أن الجانبين يتعرضان لخسائر فادحة.
فإيران، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 388 مليار دولار، خسرت خلال الأسابيع الأولى من الحرب ما يقدَّر بأكثر من 25 مليار دولار نتيجة الضربات التي طالت منشآتها النفطية والعسكرية، وقد أدى ذلك إلى تراجع قيمة العملة المحلية (التومان) بأكثر من 25%، إضافة إلى انخفاض العائدات النفطية بنحو 40%، وتدمير نحو 60% من خطوط إنتاج الصناعات الدفاعية.
أما إسرائيل، التي تملك اقتصادًا أكثر قوة وتنوعًا بناتج محلي يتجاوز 525 مليار دولار، فقد قدرت خسائرها خلال الشهر الأول من التصعيد بنحو 30 مليار دولار، نتيجة توقف قطاعات حيوية مثل السياحة والتكنولوجيا، والتكاليف العالية للتعبئة العسكرية والدفاع الجوي.
ومع ذلك، كان تأثير الحرب على الشيكل الإسرائيلي محدودًا نسبيًا، بفضل الدعم المالي والتقني من الولايات المتحدة، وسرعة تدخل المؤسسات الاقتصادية لاحتواء الصدمات.
وعليه، يمكن القول: إن إيران تتحمل الأعباء الاقتصادية الأكبر، نظرًا لهشاشة اقتصادها، واعتمادها الكبير على قطاع النفط، وغياب الدعم الدولي الفعّال، بينما تظل إسرائيل قادرة على امتصاص جزء أكبر من الخسائر بسبب قوتها الاقتصادية ودعم حلفائها.
من يدفع الثمن فعليًا؟
ورغم أن إيران تعاني اقتصاديًا بشكل أعمق نتيجة العقوبات وتراجع العائدات النفطية، إلا أن إسرائيل أيضًا تواجه تحديات مالية واستنزافًا مكلفًا طويل الأمد، خاصة إذا طال أمد الحرب أو اتسع نطاقها.
وبينما تعتمد إسرائيل على دعم خارجي سريع من الولايات المتحدة، تبقى إيران أكثر عزلة، مما يجعل الكلفة الاقتصادية والسياسية على طهران أكبر وأعمق أثراً على المدى الطويل.