مع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران إلى مستويات غير مسبوقة منذ يونيو 2025، برز غياب حزب الله عن ساحة المعركة كعلامة استفهام كبيرة، فهل يمارس الحزب صمتًا تكتيكيًا في انتظار لحظة مناسبة، أم أن الانقسام داخل المحور الإيراني يفرمل اندفاعه؟.. فتتزايد الأسئلة مع كل صاروخ يعبر الأجواء دون رد من الجنوب اللبناني.
هل الصمت اللبناني مناورة أم مؤشر انقسام؟
وبينما تمطر إسرائيل مواقع في إيران وسوريا بوابل من الغارات، تلوذ جبهة الجنوب اللبناني بصمت غير معهود، ويُفسَّر هذا التريث من حزب الله بأنه جزء من استراتيجية محسوبة، فالحزب لا يريد الانجرار إلى حرب استنزاف قبل أن تُحسم معالم المواجهة الرئيسية.
ويرى مراقبون، أن حزب الله يلتزم سياسة “الصبر الاستراتيجي”، وهي عقيدة عُرفت عنه منذ حرب 2006، تقوم على الرد في التوقيت والمكان الذي يحدده هو، إلا أن هناك دلائل على وجود تباين في مواقف قادة المحور – تحديدًا بين طهران وبيروت – بعد الضربات الإسرائيلية المباشرة داخل الأراضي الإيرانية
وفي الوقت نفسه، تشير بعض التحليلات إلى خلاف ضمني داخل محور المقاومة حول توقيت وشكل الرد، خصوصًا في ظل الأزمة اللبنانية الداخلية التي تحد من قدرة الحزب على تعبئة الجبهة.
وهناك قراءة ثالثة لا تقل خطورة، بأن طهران لم تعد تملك القدرة الكاملة على تحريك أدواتها كما في السابق، وأن قرار التدخل أصبح أكثر ارتباطًا بالحسابات المحلية للحزب من الأوامر الخارجية.
هل تنتظر طهران الضوء الأخضر أم فقدت السيطرة؟
وتاريخيًا، يرتبط قرار الحرب لدى حزب الله بمشاورات إيرانية، وخصوصًا مع الحرس الثوري، لكن تطور الضربات الحالية قد يشير إلى أن طهران تسعى لتفادي فتح أكثر من جبهة في وقت واحد، وسط ضغط اقتصادي داخلي وتخوف من تصعيد شامل.
وهناك سيناريو آخر أكثر خطورة: أن يكون حزب الله رافضًا للمشاركة في هذا التوقيت رغم رغبة طهران، ما يشير إلى تصدعات داخل منظومة القرار في المحور، خاصة إذا اعتقد الحزب أن الاشتباك الحالي لا يخدم استراتيجيته المحلية في لبنان.
وبينما لم يعلن حزب الله أي استنفار أو “تعبئة” في صفوفه المدنية والعسكرية إبان الهجوم، فمما لا شك فيه أن الحزب لم يعد قادرًا على مساندة إيران عسكريًا خاصةً بعد انسحاب قواته من منطقة الحدود بالجنوب اللبناني مع الأراضى المحتلة، واكتفى بالبيانات لمؤازرة إيران.
هل يخشى حزب الله من الرد الإسرائيلي واسع النطاق؟
وجدير بالذكر، أن حزب الله يمتلك ترسانة هائلة تُقدَّر بأكثر من 150 ألف صاروخ، بعضها دقيق التوجيه، وهو ما يمثل تهديدًا كبيرًا لإسرائيل، ومع ذلك، تدرك قيادة الحزب أن ردًا مباشرًا قد يشعل حربًا شاملة تُدمّر البنية التحتية اللبنانية المنهكة أصلًا، وتعيد البلاد إلى سيناريو ما بعد 2006 أو أسوأ.
ومن جانبها، إسرائيل أوضحت مرارًا أن أي هجوم من الحزب سيُقابل برد “غير مسبوق”، ما يجعل خيار التدخل محفوفًا بالمخاطر، حتى حلفاء حزب الله الإقليميون لا يبدون حماسة لمواجهة مفتوحة في ظل الوضع الدولي المترقب لاحتمال حرب نووية بين إيران وإسرائيل.
وترجح مصادر معنية بالشأن العسكري أن يكون “حزب الله” هو الذي ساعد إيران على تقديم معلومات جمعها بنفسه لمنشآت إسرائيلية دقيقة، مشيرة أن التكامل بين الحزب والحرس الثوري الإيراني يساهم في ذلك، فـ “حزب الله” بمثابة عين إيران في المنطقة، و”المراقب” الأبرز بالنسبة لها لتنفيذ عمليات الرّد الإستراتيجية.
حزب الله في الحسابات الإيرانية: ذراع أم لاعب مستقل؟
ورغم أنه يُنظر إليه غالبًا كذراع للحرس الثوري الإيراني، تطوّر حزب الله خلال العقدين الماضيين إلى لاعب سياسي وعسكري مستقل نسبيًا، له حساباته الخاصة.
فالوضع الداخلي في لبنان (انهيار اقتصادي، نقمة شعبية، ضغوط دولية) يجعل قرار الحرب أكثر تعقيدًا، وأيضًا الحزب يسعى للحفاظ على مكانته كقوة ردع، دون أن يدفع ثمنًا ميدانيًا باهظًا.
لذا، قد يختار التدخل التدريجي غير المُعلن، عبر تسخين جبهات فرعية أو إطلاق صواريخ من مجموعات غير رسمية، لتوجيه رسائل دون الانزلاق في حرب شاملة.
إلى متى يمكنه البقاء خارج المعركة؟
وبالتالي فصمت الحزب لن يكون دائمًا، إذ أن التورط المباشر قد يُصبح حتميًا في حال استهدفت إسرائيل قادة الحزب أو مراكزه في الجنوب أو البقاع، أو نفّذت عملية موسّعة داخل سوريا تطال أصولًا استراتيجية تابعة له، أو تعرضت طهران لهجوم نووي محدود أو ضربة موجعة تستوجب ردًّا إقليميًا مشتركًا.
ولكن السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القريب هو تدخل محسوب ومحدود يُبقي على معادلة الردع دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة.
دور حزب الله الاستراتيجي
ما يعني أن حزب الله اليوم لاعب يُعيد تعريف دوره داخل محور المقاومة، ولم يعد مجرد منفذ، بل يوازن بين الولاء العقائدي والمصلحة الوطنية، فالمعركة القادمة قد لا تكون عسكرية فقط، بل إعلامية ونفسية واستراتيجية.
وبينما الجنوب اللبناني في حالة هدوء، لكن الشرارة قد تشتعل في لحظة من بيروت، أو دمشق، أو طهران، وفي الوقت نفسه فحزب الله اليوم في موقف لم يعتده بين تحالفه الاستراتيجي مع إيران، وضرورات البقاء في لبنان.