في الساعات الأخيرة، أعلنت السلطات اللبنانية إحباط محاولة جديدة لتهريب شحنة من الصواريخ الموجهة والذخائر المتطورة عبر الحدود الشرقية مع سوريا، وتحديدًا في منطقة البقاع، ورغم تشديد الرقابة الأمنية، إلا أن وتيرة محاولات تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان سجلت ارتفاعًا لافتًا خلال الأشهر الماضية، ما يعيد إلى الواجهة أسئلة محورية حول الأطراف المتورطة، وأهداف هذا النشاط المكثف في هذا التوقيت بالذات.
القصير.. الممر السري العابر للصواريخ والأسلحة
وتشير مصادر ميدانية، أن مدينة القصير السورية، الخاضعة لنفوذ “حزب الله”، باتت تشكّل نقطة انطلاق رئيسية لعمليات نقل الأسلحة إلى داخل لبنان، عبر مسارات جبلية وعرة يصعب ضبطها بالكامل.
وبحسب تقارير استخباراتية غربية، فإن القصير تمثل اليوم جزءًا من “ممر بري آمن” يستخدم لتمرير شحنات أسلحة إيرانية إلى حزب الله، بعيدًا عن أعين الطائرات الإسرائيلية المسيّرة.
من المستفيد من تهريب الصواريخ الموجهة إلى لبنان؟
ورغم الغموض الذي يلف عمليات التهريب، إلا أن نوعية الأسلحة المصادرة مؤخرًا – والتي تضمنت صواريخ مضادة للدروع وطائرات مسيّرة صغيرة – تشير إلى طرف واضح الاستفادة: حزب الله.
فالتنظيم المسلح يسعى لتعزيز قدراته العسكرية تحسبًا لأي مواجهة قريبة مع إسرائيل، لا سيما في ظل التصعيد المتكرر على الحدود الجنوبية، والتوتر الإقليمي المتنامي في ضوء الحرب في غزة واستمرار الضربات في سوريا.
هل توقيت تهريب السلاح يرتبط بتحضيرات لمعركة جديدة؟
ويربط مراقبون بين تكثيف عمليات تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان، والتقارير الاستخباراتية التي تشير أن حزب الله يعيد نشر قواته وتحديث ترسانته العسكرية.
ولا يبدو التوقيت اعتباطيًا، إذ يتزامن مع تهديدات متبادلة بين الحزب وتل أبيب، وتسريبات عن احتمالات توسيع الحرب في غزة نحو جبهات أخرى، وعلى رأسها الجبهة الشمالية اللبنانية.
كيف تتعامل إسرائيل مع تحرك السلاح عند خاصرتها الشمالية؟
ومن ناحيتها، لا تغيب هذه التحركات عن أعين الاستخبارات الإسرائيلية، التي كثّفت من طلعاتها الجوية فوق لبنان وسوريا، ونفذت سلسلة ضربات استهدفت مستودعات أسلحة ومراكز قيادة تابعة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني في دمشق وحمص وريف حلب.
وترى إسرائيل، أن كسر ميزان الردع من خلال امتلاك الحزب لأسلحة دقيقة قد يدفعها إلى توجيه ضربة استباقية، في حال تأكد لديها أن شحنات الصواريخ الجديدة تهدد أمنها القومي.
ساحة الجنوب.. هل تتهيأ لاشتعال جديد؟
وفي ظل استمرار تهريب الأسلحة إلى لبنان، يبدو الجنوب اللبناني أمام مشهد مقلق، وسط تصعيد غير مسبوق في الخطاب السياسي والعسكري، ويبقى السؤال: هل نحن أمام مرحلة جديدة من الصراع، تتحول فيها الحدود الشمالية لإسرائيل إلى مسرح للمواجهة المفتوحة؟ أم أن ما يجري لا يعدو كونه رسائل ردع متبادلة بوسائل ناعمة، تسعى الأطراف عبرها لإعادة رسم قواعد الاشتباك دون الذهاب إلى الحرب الشاملة؟
لذا مع كل شحنة سلاح تُضبط أو تمر بسلام، تزداد المؤشرات على أن الساحة اللبنانية ليست بمنأى عن تداعيات الصراع الإقليمي، خاصة في ظل صمت رسمي لبناني يشي بعجز أو تواطؤ، وتراكم أسلحة دقيقة قد تغيّر من قواعد اللعبة، فالمشهد مفتوح على احتمالات متعددة، من بينها انفجار الوضع عسكريًا، أو بقاء الأمور على حافة الحرب، في انتظار صفقة كبرى إقليمية.