تشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ أيام تصاعدًا لافتًا في حدة الاشتباكات المسلحة، بعد مقتل عبد الغني الككلي، قائد جهاز دعم الاستقرار، في ظروف غامضة.
وبينما تتبادل الميليشيات الاتهامات بالمسؤولية عن التصعيد، تظهر خيوط سياسية خفية تشير إلى دور جماعة الإخوان الإرهابية كأحد أبرز اللاعبين في خلفية المشهد الليبي المضطرب.
رغم تراجع الجماعة في بعض المواقع، فإنها ما تزال عنصرًا فاعلًا في التوازنات المعقدة التي تحكم الغرب الليبي، وهو ما يتضح من التموقع المستمر لعناصرها داخل الأحزاب والمجالس والمؤسسات الدينية، بل وحتى الأجهزة الأمنية.
الحضور الإخواني، بدا متواريا خلف أحزاب سياسية وجمعيات خيرية، ما يزال يحتفظ بنفوذ قوي في مفاصل حساسة.
واجهات متعددة.. وأدوار متشابكة
وعقب إخفاقات سياسية متتالية، لجأت الجماعة إلى تغيير الواجهات، فأسست حزب “الديمقراطي” برئاسة محمد صوان، كما دعمت تأسيس حزب “ليبيا الوطن” بقيادة عبد الحكيم بلحاج، ومولت جماعات أخرى مثل حزب “القمة” بزعامة عبد الله ناكر، و”التغيير” بقيادة جمعة القماطي.
التنوع في الواجهات لم يكن اعتباطيًا، بل هدفه توزيع المهام وتفادي الانكشاف السياسي الكامل.
في المقابل، لم تتخل الجماعة عن نفوذها الديني، حيث ما تزال تسيطر فعليًا على مؤسسات الإفتاء عبر الصادق الغرياني، الذي يصدر فتاوى تخدم توجهات التنظيم، وتستخدم كأداة ضغط لتبرير تحركات الجماعة في الساحة السياسية أو العسكرية.
الإعلام والدين والسلاح.. ثلاثية التأثير
الجماعة التي حافظت على تماسكها من داخل الأراضي التركية، كثفت مؤخرًا نشاطها الإعلامي عبر إسماعيل القريتلي، وهو من أبرز الوجوه التي تدير الحملة الإعلامية لصالح التنظيم.
الزخم تزامن مع محاولة الجماعة إعادة تشكيل حضورها بعد حل التنظيم الأم والعمل تحت مظلة جمعية “الإحياء والتجديد”، فيما يشبه الفصل الوظيفي بين الدعوي والسياسي.
في السياق ذاته، عملت الجماعة على استمالة ميليشيات سلفية أو مواجهة أخرى، بحسب مقتضى الظروف، وذلك في مشهد تداخلت فيه الولاءات بين القبائل والسلاح والعقيدة والتشريع.
وبرزت محاولات لإدخال مقاتلين أجانب إلى طرابلس عبر مشاريع مثل “جيش الإسلام”، وهي مبادرة نسبت إلى بلحاج وتهدف إلى تعزيز السيطرة على العاصمة.
تقاطع المصالح الدولية وعودة الفوضى
التدخلات الخارجية، وعلى رأسها التركية، ما زالت تلعب دورًا في بقاء الجماعة كرقم صعب في المعادلة الليبية، ومن خلال دعم جوي واستخباراتي، ساهمت أنقرة في عمليات استهدفت خصوم الجماعة، كما حدث مع غنيوة، ما أذكى شرارة اشتباكات كادت أن تعيد طرابلس إلى فصول عنف 2023.