ما جرى على الرصيف المدني في ميناء بندرعباس هو مشهد من العنف المؤسسي المستتر، حين تندمج أدوات القتل العسكري في تفاصيل الحياة اليومية للمدنيين، دون تحذير، دون حماية، ودون مساءلة، حيث لم تكن لحظة عابرة، ولا حادثًا عرضيًا يمكن تجاوزه.
في صباح مشحون بالحركة والكدح، دوى انفجار هائل مزق صمت الميناء، حوّل أجساد العمال والسائقين إلى شظايا، ودك الهياكل الحديدية وأكوام الحاويات في مشهد أقرب إلى ساحة حرب منه إلى مركز لوجستي مدني.
النتيجة التي حدثت نتاج للانفجار أكثر من سبعين قتيلًا، وآلاف الجرحى، ومئات المفقودين في ركام لم يهدأ دخانه بعد.
منشآت مدنية.. وأحشاء محشوة بالمتفجرات
الموقع الذي انفجر لم يكن منشأة عسكرية أو هدفًا استثنائيًا، بل رصيف عادي يستخدمه مئات الأشخاص بشكل يومي.
لكن التحقيقات الأولية، وبعض الصور المسربة، كشفت أن تحت هذا النشاط المدني، كانت تخزن مواد كيميائية تستخدم في صناعة وقود الصواريخ، دون أي إشارات تنبيه، ولا شروط أمان.
هذا الإخفاء المتعمّد لا يمكن تفسيره إلا ضمن سياسة دأب عليها النظام الإيراني منذ عقود، إذ تستخدم البنى التحتية المدنية كمظلات لتخزين السلاح وتمرير الشحنات المحظورة، وهو ما يجعل أرواح المدنيين وقودًا محتملًا في كل لحظة.
التمثيل بالجراح.. النظام يصوّر الناجين كأنهم موظفون عائدون للعمل
بينما كانت فرق الإغاثة تبحث عن ناجين، ظهرت على وسائل إعلام إيرانية صور لعدد من المصابين، جالسين خلف مكاتبهم في أوضاع مفبركة، والضمادات تكسوهم، والوجع واضح على وجوههم، لم تكن هذه لحظة تعاطف، بل حملة دعائية لتأكيد “عودة الحياة إلى طبيعتها”.
السلطات، كالعادة، لم تفتح تحقيقًا شفافًا، بل مارست طقوسها المعتادة في طمس الجريمة وتحويلها إلى صورة من صور “الثبات والسيطرة”، الناجون أنفسهم حُرموا من حق الألم، واستُخدموا كأدوات لإقناع الرأي العام الداخلي والدولي أن لا شيء يستحق القلق.
من المسؤول؟ الحرس الثوري في قلب الاتهام
الحرس الثوري الإيراني، الذي يسيطر فعليًا على الموانئ والمعابر الحيوية، يُعد المسؤول الأول عن محتويات الرصيف المنكوب.
سجله المعروف في استغلال المرافق المدنية لأغراض عسكرية، خصوصًا في تهريب الوقود الصاروخي والمكونات الحساسة، يجعل من الحادثة نتيجة طبيعية لسياسة طويلة الأمد.
ضحايا بلا أسماء.. والعدالة في سُبات
في حين تعد أعداد القتلى والجثث المفقودة بالآلات الثقيلة، تواصل السلطات إنكار الأرقام الحقيقية، وتمنع الوصول إلى المعلومات الدقيقة، لم يحاسب أحد، ولم يستدعى أي مسؤول، لم يُفتح تحقيق محايد. كل ما جرى، ويجري، هو دفن بطيء للجريمة في فوضى الروايات المتضاربة.
في المقابل، تحولت منصات التواصل إلى منابر غضب، حيث بدأ المواطنون يتداولون صورًا وشهادات ميدانية تكذّب الرواية الرسمية وتكشف حجم التلاعب، مع رسائل تؤكد أن الحادث لن يمر، وأن زمن الصمت انتهى.