على مدار عقدين، طوّرت جماعة الحوثيين بنية تحتية عسكرية هائلة تحت الجبال في محافظة صعدة، متبعةً أساليب متقدمة في بناء المخابئ والقواعد العسكرية المحصنة، مستلهمةً ذلك من تكتيكات إيران و”حزب الله”، ركزت الجماعة على إقامة أنفاق ومنشآت تحت الأرض في المناطق الوعرة، بما في ذلك منطقة كتاف-البقع، التي تعد اليوم من أبرز معاقلها العسكرية.
دعم إيراني وخبرات خارجية
وفقًا لتحقيق أجرته منصة “ديفانس لاين” الأمنية، شارك في تخطيط هذه المنشآت خبراء من “فيلق القدس” الإيراني و”حزب الله” اللبناني، بالإضافة إلى عناصر من جنسيات أخرى تدعم طهران، وتركزت الجهود الحوثية في صعدة، التي تحولت إلى مركز عملياتي وفكري محاط بحزام عسكري منيع يمتد إلى الحدود السعودية ومناطق الجوف وحجة وعمران.
كتاف: المنطقة المحظورة ومركز العمليات
وتعد مديرية كتاف-البقع، الواقعة غرب صعدة، إحدى أكبر المديريات جغرافيًا. وقد حولتها الميليشيات الحوثية إلى منطقة عسكرية محظورة، تضم مجمعات من القواعد السرية، مخازن أسلحة، ومنشآت تحت الأرض، وتتصل هذه القواعد بشبكة من الأنفاق والطرق العسكرية التي تربط بين المخابئ ومراكز القيادة.
رصد استخباراتي: 3 منشآت عسكرية رئيسة
كما تشير صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها “ديفانس لاين” إلى وجود ثلاث منشآت عسكرية ضخمة في مرتفعات آل مقبل شمال كتاف، فالمنشأة الأولى تقع غرب وادي “العشاش”، وتضم ثلاثة مداخل لأنفاق رئيسة متصلة بشبكة من الأنفاق الفرعية. تظهر الصور استمرار أعمال الحفر والتطوير منذ عام 2022، مع إنشاء منصات إطلاق متنقلة ومرافق عسكرية تحت الأرض.
أما المنشأة الثانية فتقع إلى الغرب من المنشأة الأولى، وتضم خمسة مخابئ رئيسة وعددًا من المخابئ الفرعية. المنطقة محصنة بشكل كبير، وتظهر فيها نقاط مراقبة وإنشاءات عسكرية.
بينما المنشأة الثالثة، فتقع غرب المنشأة الثانية، وبدأت أعمال بنائها عام 2020، لكنها شهدت تسارعًا ملحوظًا منذ 2022، وتحتوي المنشأة على ثلاثة مخابئ كبيرة تحت الأرض، متصلة بسلسلة من الطرق العسكرية الفرعية.
استهداف المنشآت الحوثية
وفي أكتوبر الماضي، نفذت القوات الأمريكية والبريطانية ضربات جوية على هذه المنشآت باستخدام قاذفات الشبح (B-2 Spirit)، وأظهرت صور الأقمار الصناعية آثار القصف في موقعين رئيسيين، ما يؤكد أن هذه المخابئ كانت أهدافًا استراتيجية.
وتقول مصادر محلية إن الحوثيين كثفوا عمليات الحفر والبناء خلال الأشهر الماضية، كما وجهت الجماعة كميات كبيرة من الأسمنت والحديد المستورد من مواني الحديدة إلى مواقعها العسكرية، مع الاعتماد على معدات حفر متطورة تم تهريبها عبر شركات وهمية.
السيناريوهات المتوقعة لتداعيات القصف
اذا فااستمرار استهداف المنشآت العسكرية قد يدفع الحوثيين إلى الرد عبر هجمات بطائرات مسيرة أو صواريخ باليستية، ومن المتوقع أن تعزز الجماعة تحصيناتها تحت الأرض وتكثف جهود التمويه العسكري لتجنب الضربات المستقبلية.
وقد تثير الضربات ردود فعل دولية، مع تصاعد الدعوات لاحتواء التوترات في المنطقة، وفي ظل استمرار الاستهداف، قد تلجأ طهران إلى زيادة دعمها العسكري والتقني للحوثيين.
وتمثل القواعد العسكرية الحوثية في كتاف جزءًا من استراتيجيتهم للحرب طويلة الأمد، وبينما تواصل القوات الأمريكية استهداف هذه المنشآت، يبقى الوضع في اليمن مرشحًا لمزيد من التصعيد، ما يضع المنطقة أمام تحديات أمنية خطيرة.