شهدت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا تحولاً جذريًا منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، حيث انتقلت من العمل السياسي والدعوي إلى تبني أدوات عسكرية لفرض نفوذها. وقد لعبت الميليشيات المسلحة التابعة للجماعة أو المتحالفة معها دورًا محوريًا في هذا التحول، مستغلة الفوضى الأمنية التي أعقبت الثورة.
الميليشيات كأداة للنفوذ
وعملت الجماعة على إنشاء تحالفات مع ميليشيات قوية، مثل: “قوة الردع الخاصة” و”كتائب ثوار طرابلس”، ما منحها قدرة على فرض قراراتها بقوة السلاح.
هذه الجماعات المسلحة لم تكن مجرد أدوات لحماية مصالحها، بل أصبحت جزءًا من المشهد الأمني، مما سمح للإخوان بالتغلغل في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية.
وفي ظل غياب سلطة مركزية قوية، استغلت الجماعة حالة الانقسام السياسي لتعزيز سيطرتها، مستخدمة شعارات الديمقراطية والتغيير، بينما كانت تحكم قبضتها على المشهد عبر ميليشياتها.
ساعدت هذه الاستراتيجية في بسط نفوذها، لكنها أيضًا ساهمت في زيادة الاستقطاب والعنف داخل ليبيا.
كما اعتمدت الجماعة على تشكيل وتحالفات مع ميليشيات مسلحة، مثل “كتيبة فبراير” و”درع ليبيا”، لتعزيز وجودها في المشهد السياسي والعسكري. هذه الميليشيات لم تكن فقط أداة لحماية مصالح الجماعة، بل أيضًا وسيلة لترهيب الخصوم والسيطرة على المناطق الاستراتيجية.
وفي ظل انهيار مؤسسات الدولة، استغلت الجماعة الفراغ الأمني لتعزيز سيطرتها، خاصة في المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي.
وقد استخدمت خطابًا دينيًا لتبرير وجودها العسكري، مدعية أنها تحمي “الثورة” و”الهوية الإسلامية” للبلاد.
ورغم خسارتها في الانتخابات البرلمانية عام 2014، إلا أن الإخوان استمروا في التأثير على صناعة القرار من خلال تحالفات مع الحكومات المتعاقبة، خاصة حكومة الوفاق الوطني. كما استفادوا من الدعم التركي والقطري لتعزيز وجودهم العسكري والسياسي، مما جعلهم طرفًا رئيسيًا في النزاع الليبي.
تصاعد الغضب الشعبي
ومع تزايد الأزمات الاقتصادية والأمنية، بدأت شعبية الجماعة تتراجع بشكل كبير. المواطنون الليبيون أصبحوا أكثر وعيًا بدور الإخوان في استمرار الفوضى، خاصة بعد أن بات واضحًا أن الجماعة تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة على حساب استقرار البلاد.
الانقسامات الداخلية وصراعات النفوذ
لم تكن التحديات التي تواجه الإخوان في ليبيا خارجية فقط، بل شهدت الجماعة انقسامات حادة بين قياداتها، حيث اختلفت الرؤى بين من يريد الاستمرار في النهج المسلح وبين من يرى ضرورة العودة إلى العمل السياسي التقليدي. هذه الصراعات الداخلية أدت إلى موجات انشقاق كبيرة أضعفت من تماسك التنظيم.
وعلى الرغم من النفوذ الذي تمتعت به جماعة الإخوان في السنوات الأولى بعد الثورة، إلا أنها واجهت تراجعًا شعبيًا كبيرًا بسبب فشلها في تحقيق الاستقرار أو تقديم حلول عملية للأزمات الاقتصادية والأمنية.
ثم أصبحت الجماعة هدفًا للغضب الشعبي بسبب ارتباطها بالفشل الحكومي وتردي الأوضاع المعيشية. كما أن مشروعها السياسي، الذي ركز على الهوية الإسلامية دون معالجة القضايا الملحة، فقد مصداقيته لدى شرائح واسعة من الليبيين.
كما تبنّت الجماعة استراتيجية “التمكين” للسيطرة على مفاصل الدولة، إلا أن هذه الخطة واجهت عقبات كبيرة بسبب الرفض الشعبي والتغيرات السياسية المتسارعة.
فشل الإخوان في الحفاظ على نفوذهم في الانتخابات وعدم قدرتهم على تحقيق استقرار سياسي جعل مستقبلهم في ليبيا أكثر غموضًا.
الضغوط الدولية والعقوبات
لذا بدأت القوى الدولية تدرك خطورة الدور الذي تلعبه الجماعة في تأجيج الصراع الليبي. فرضت الولايات المتحدة ودول أوروبية عقوبات على قيادات إخوانية متهمة بتمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار، مما حدّ من قدرتهم على التحرك بحرية.
ومع تغيّر المواقف الإقليمية تجاه الجماعة، تراجع الدعم الخارجي الذي كانت تحصل عليه. فبعد التقارب المصري-التركي، والتغيرات في سياسات بعض الدول الداعمة، بدأت الجماعة تفقد أحد أهم مصادر قوتها.
إلى أين يتجه الإخوان في ليبيا؟
وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن الجماعة تواجه أحد أصعب فتراتها. فإما أن تتراجع عن العسكرة وتحاول إعادة بناء نفوذها عبر العمل السياسي، أو تستمر في المواجهة المسلحة، مما قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي ودولي أكبر ضدها.
ويبدو أن مستقبل الجماعة في ليبيا يواجه تحديات وجودية. فشلها في التكيف مع المتغيرات وتراجع شعبيتها قد يقودان إلى تقليص دورها، خاصة إذا نجحت جهود المصالحة الوطنية في إعادة بناء الدولة الليبية.
ما يعني أن جماعة الإخوان في ليبيا، التي بدأت كحركة سياسية ودعوية، تحولت إلى قوة عسكرية وسياسية موازية، لكنها تواجه الآن تحديات كبيرة قد تعيد تشكيل دورها في المستقبل.
بين الضغوط الشعبية والدولية، يبدو أن الجماعة تقف على مفترق طرق، حيث قد تكون المواجهة القادمة حاسمة لمصيرها في ليبيا.