تواجه تونس أزمة مالية متصاعدة وسط ضغوط عالمية متزايدة، حيث يشهد الاقتصاد التونسي تراجعًا حادًا في احتياطيات النقد الأجنبي؛ مما يزيد من المخاوف بشأن قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية.
في ظل تحديات اقتصادية معقدة، يتزايد اعتماد الحكومة على التمويل الداخلي لسداد الديون، ما يفاقم الضغوط على الوضع المالي العام.
انخفاض حاد في الاحتياطيات الأجنبية
بحسب أحدث بيانات البنك المركزي التونسي، تراجعت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي إلى 23.325 مليار دينار، “ما يعادل 7.30 مليار دولار”، بحلول يوم الخميس الماضي، وهو ما يكفي لتغطية 104 أيام فقط من الواردات، مقارنة بـ 26.701 مليار دينار كانت تكفي لتغطية 119 يومًا في اليوم السابق.
يأتي هذا الانخفاض بعد أن سددت تونس 1.1 مليار دولار من الديون الخارجية، في وقت تواجه فيه البلاد ضغوطًا مالية خانقة، وسط صعوبات في تأمين التمويل الخارجي بسبب عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط تنفيذ إصلاحات اقتصادية قاسية لمنح تونس قروضًا جديدة.
البرلمان يقر تمويلًا جديدًا لسداد الديون
لمواجهة هذه الأزمة، وافق البرلمان التونسي الشهر الماضي على تشريع يسمح للبنك المركزي بتوفير 2.2 مليار دولار لدعم ميزانية 2025، بهدف سداد الديون العاجلة.
وتعد هذه الخطوة المرة الثانية خلال أقل من عام التي تلجأ فيها الحكومة إلى التمويل الداخلي بعد أن وجدت صعوبة في الحصول على دعم خارجي.
وتؤكد وزيرة المالية سهام البوغديري، أن تونس مطالبة بسداد ديون بقيمة تسعة مليارات دينار خلال الربع الأول من عام 2025، منها 5.1 مليار دينار ديون خارجية، وهو ما يعكس حجم الأزمة التي تواجهها البلاد في تأمين الموارد المالية اللازمة.
أزمة سيولة وعجز عن التمويل الخارجي
يمثل انخفاض الاحتياطيات الأجنبية تحديًا كبيرًا أمام الحكومة التونسية، التي تواجه صعوبة في تمويل العجز المالي بسبب غياب الدعم الدولي. ومع استمرار عدم اليقين بشأن مستقبل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، تتزايد المخاوف من تفكك المنظومة المالية وارتفاع مخاطر التخلف عن سداد الديون.
في هذا السياق، تلجأ الحكومة بشكل متزايد إلى البنوك المحلية لسد العجز، وهو ما يثير مخاوف الخبراء بشأن تأثير ذلك على القطاع المصرفي، حيث يؤدي ارتفاع الاقتراض الحكومي إلى تقليص فرص التمويل المتاحة للشركات والمستثمرين، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية.
مخاطر اجتماعية وسياسية
مع اشتداد الأزمة المالية، يواجه المواطن التونسي موجة غلاء متصاعدة بسبب التراجع الحاد في قيمة الدينار التونسي وارتفاع تكاليف الاستيراد، مما يزيد من نسبة التضخم ويؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية.
كما أن الاضطرابات الاجتماعية ما تزال شبحًا يهدد المشهد السياسي، حيث تشهد البلاد احتجاجات متكررة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع البطالة، في ظل غياب حلول جذرية للأزمة.
وتجد تونس نفسها أمام مفترق طرق صعب، فبينما تحاول الحكومة تجنب إعلان الإفلاس، ما تزال الحلول المطروحة غير كافية لمعالجة التدهور المالي الحاد.
ويبقى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية فعالة، الخيار الوحيد لإعادة الاستقرار المالي وتخفيف الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.