وسط تحولات كبرى في المشهد الأوروبي، تتجه الأنظار إلى فرنسا، حيث تتسارع وتيرة مغادرة عناصر إخوانية ومتطرفة نحو وجهات جديدة، وفق ما كشفته دراسة حديثة، أشارت أن هذه الهجرات تعيد رسم انتشار الجماعة في أكثر من دولة حول العالم.
ووفق ما نشرته مجلة جورنال دو نيوز، فإن معدلات الهجرة الإخوانية كانت منخفضة حتى عام 2012، حيث لم تتجاوز أربع حالات سنويًا، لكنها شهدت تصاعدًا ملحوظًا بين 2013 و2016، ليصل المعدل إلى ما بين 10 و50 مغادرة سنويًا.
وبلغت الذروة عام 2019 بمغادرة 62 متطرفًا، قبل أن تتراجع خلال جائحة كورونا، ثم تعود للارتفاع مجددًا عام 2022 مع خروج 69 متطرفًا من فرنسا.
دوافع الهجرة ووجهاتها
تشير الدراسة، أن البحث عن “بيئة موائمة لهويتهم الدينية” يعد الدافع الأساسي لهجرة المتطرفين، مع إعطاء الأولوية للدول ذات الأغلبية المسلمة.
ووفقًا للبيانات، فإن 45% من المغادرين اتخذوا قرار الرحيل النهائي عن فرنسا، بينما عاد 55% منهم لاحقًا.
وتصدرت المغرب قائمة الوجهات المفضلة بنسبة 45%، تليها الجزائر (18%)، ثم مصر (11%)، والمملكة المتحدة (8%)، في حين استقطبت موريتانيا، تونس، وتركيا 5% لكل منها.
وتؤكد الدراسة، أن الهجرة لم تكن فقط نحو الخارج، بل شملت ما وصفته بـ”الهجرة الداخلية”، حيث تعمدت بعض العناصر الإخوانية عزل نفسها داخل مجتمعات موازية داخل المدن الفرنسية الكبرى مثل مرسيليا وفالنسيا، وهو ما أتاح بيئة خصبة لتكريس أيديولوجيتها بعيدًا عن الرقابة الحكومية.
تنامي النفوذ الإخواني في فرنسا
في مقال نشره موقع يوروبيان كونسيرفاتيف، سلطت الكاتبة الفرنسية هيلين دي لوزون الضوء على النفوذ المتزايد لتنظيم الإخوان في فرنسا، مشيرة أن أعداد المنتمين إليه تضاعفت بين عامي 2019 و2024، من 50 ألفًا إلى 100 ألف عضو.
ووفقًا لمصدر استخباراتي تحدث لصحيفة جورنال دو ديمانش، فإن التنظيم يتمتع بقدرة كبيرة على التأثير؛ ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تكليف لجنة بإعداد تقرير شامل حول الإسلام السياسي ونفوذ الإخوان، وسط مخاوف من تنامي دورهم في تهديد مبادئ الجمهورية الفرنسية.
التجارة الحلال.. واجهة اقتصادية لنفوذ الجماعة
تشير التقارير، أن الإخوان يستغلون التجارة الحلال كأداة لتعزيز نفوذهم داخل فرنسا، حيث تنامت الأسواق والشركات التي تديرها عناصر محسوبة على الجماعة، في ظل توجه متزايد نحو “الأسلمة الثقافية” للمجتمع.
وتكشف الإحصائيات، أن عدد النساء المحجبات تضاعف خلال العقد الماضي، إلى جانب انتشار المطالب الدينية في أماكن العمل والمرافق العامة.
وبحسب هيلين دي لوزون، فإن هذه الظاهرة ليست عفوية، بل تعكس استراتيجية منسقة تهدف إلى فرض نموذج ثقافي وديني معين داخل المجتمع الفرنسي.
مع تزايد الأدلة على تغلغل التنظيم داخل المجتمع الفرنسي، تبدو السلطات عازمة على تشديد قبضتها ضد أنشطته، في ظل تحركات أمنية وقانونية لمراقبة شبكات الإخوان وكبح محاولات إعادة تشكيل نفوذهم داخل فرنسا وخارجها.