بات الدعم العسكري المقدم من إيران وتركيا للجيش السوداني معروفًا بشدة، إذ قدمت الدولتين العتاد والأسلحة والمسيرات ما ساعد في مقتل المدنيين واستهداف المباني والمنشآت وتنفيذ العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البلد الذي مزقته الحرب لما يقرب من عامين.
الدور الإيراني
تسللت إيران إلى السودان، كونه يُعاني من العزلة الدولية والعقوبات المفروضة عليه بسبب الحرب الداخلية والانهيار السياسي، فسارعت بتقدم نفسها كحليف استراتيجي، كون ذلك بالنسبة لطهران فرصة للعودة إلى الساحة الإقليمية والدولية من بوابة السودان، وهو ما يُتيح لها تعزيز موقفها على المستوى الدولي، لاسيما في ظل التوترات التي تعيشها مع أمريكا وبعض الدول الغربية والإقليمية.
ومن بين وسائل التقارب المتعددة التي لجأ إليها نظام الملالي، كان مد الجيش السوداني بالسلاح أو تقديم مساعدات عسكرية وهو ما ساهم في زيادة اشتعال النزاعات، وسيحول البحر الأحمر إلى ساحة للصراع الدولي، وتعقيد المشهد الأمني في المنطقة ويعرّض الملاحة الدولية لتهديدات متزايدة.
وتبينت تلك الأهداف الإيرانية في استغلال الأوضاع، إبان تصاعد الحرب، حيث أعادت إيران في أواخر عام 2023 العلاقات الدبلوماسية مع السودان بعد انقطاع دام 7 سنوات، وأرسلت دبلوماسيين إلى السودان، وافتتحت سفارتها هناك.
الأسلحة الإيرانية
وتعمل طهران بنشاط على تزويد الجيش السوداني بالأسلحة والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية والمعلومات الميدانية.
ونقلت “بلومبيرغ” عن مسؤولين استخباراتيين ودبلوماسيين قولهم: إن بين يناير ويوليو من العام الماضي، قامت شركة “قشم فارس إير”، وهي شركة طيران إيرانية خاضعة للعقوبات الأمريكية ومرتبطة بفيلق القدس، بتنفيذ ما لا يقل عن 7 رحلات بين إيران والسودان.
وبحسب منظمة “كونفليكت أوبزير فاتوري”، فإن أربعًا من هذه الرحلات انطلقت من مطار “مهر آباد” بطهران، وهو موقع قاعدة تابعة للقوات الجوية الإيرانية.
وفي أبريل الماضي، أكدت تقارير إعلامية وجود طائرات مسيرة إيرانية في السودان.
كما أظهر تقرير صادر عن مرصد الصراعات وجود أدلة تفيد بأن إيران نفّذت تسع رحلات شحن إلى السودان بين ديسمبر 2023 ويوليو 2024، محملة بأسلحة ساعدت القوات المسلحة السودانية، من ضمنها طائرات مسيرة هجومية، مضيفًا أن هذه الرحلات تزامنت مع ظهور الأسلحة الإيرانية في ميادين القتال السودانية للمرة الأولى.
وأفاد التقرير، بأن الأسلحة التي زودت بها إيران تشمل طائرات مسيرة هجومية من طراز مهاجر-6، بالإضافة إلى محطات التحكم الأرضية ومعدات أخرى.
وعلى مدار عام 2023، استخدمت القوات المسلحة السودانية هذه الطائرات المسيرة لاستعادة مناطق محيطة بالخرطوم كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
الدور التركي
وتزامنًا مع ذلك، ظهرت تركيا كداعم عسكري لقائد الجيش السوداني لتعزيز نفوذها في السودان من بوابة الدعم العسكري، حيث انه في ديسمبر الماضي، أفادت تقارير إعلامية، بأن الجيش السوداني حصل من أنقرة على مسيّرات من طراز “بيرقدار”، في تطور منح قوات الفريق عبدالفتاح البرهان تفوقا جويا على قوات الدعم السريع.
وكشف وقتها مصدر من القوات المسلحة السودانية لموقعي “أخبار شمال أفريقيا” و”سوادن تريبون”، أن طائرات “بيرقدار” التركية دخلت الخدمة لأول مرة منذ شهر، مشيرا أن “نشاطها يقتصر حاليًا على ولاية الخرطوم”.
وأوضح أن الجيش السوداني تمكن مؤخرا من تدمير 50 بالمئة من مدفعية قوات الدعم السريع بفضل اعتماده على طائرات البيرقدار التركية.
وتتمتع طائرات بيرقدار بقدرات فائقة، إذ يمكنها التحليق على ارتفاع يصل إلى 27,000 قدم وبوزن إقلاع أقصى يبلغ 650 كيلوغراما، وتعتبر طائرات بيرقدار التركية، التي تصنعها شركة بايكار، من أبرز الطائرات بدون طيار في العالم.
كما أن لديها القدرة على الطيران لمدة تصل إلى 27 ساعة وبسرعة قصوى تبلغ 240 كيلومترا في الساعة، ويمكنها حمل حمولة تقارب 1.5 طن.
وسبق أن أكدت وسائل إعلام سودانية، وجود لقاءات بين ضباط من الجيش السوداني وبعض القيادات العسكرية في تركيا حول قضية المسيرات، حتى تم التوصل إلى صفقة حول هذا الموضوع بين الطرفين.
اتفاقيات بين تركيا والجيش السوداني
وترتبط تركيا منذ سنوات طويلة بقيادات في الجيش عملت طويلا مع الرئيس السابق عمر البشير، ولها ارتباط بالحركة الإسلامية والتيار الاخواني الذي كان مهيمنا على الحكم طيلة نحو ثلاثة عقود.
وكان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان قد زار أنقرة في سبتمبر 2023 زيارة التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحثا عن دعم عسكري بعد تفاقم خسائر قواته وفقدانها السيطرة على العديد من المقارت الإستراتيجية التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.
حينها اتفق البرهان وأردوغان على تفعيل اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات الأمن والدفاع والتصنيع والتدريب العسكري.
كما أنها على علاقة وثيقة بالحركة الإسلامية التي تسعى من خلال دعمها لقيادة الجيش للعودة للمشهد السياسي بقوة وهي التي تضم شخصيات بارزة كانت على ارتباط بالنظام السابق قبل عزل الجيش للرئيس عمر البشير والسيطرة على الحكم كمخرج لأسوأ أزمة في أعقاب مظاهرات حاشدة عمت البلاد.
وتراهن تركيا على استغلال الصراع في السودان لتعزيز نفوذها في السودان بعد أن فتح لها الرئيس المعزول عمر البشير الطريق لذلك من بوابة التعان الاقتصادي والعسكري، من ذلك أنه فرّط لها في إدارة ميناء سواكن الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر.
وبعد سقوط نظام البشير كثفت أنقرة جهودها لحماية مصالحها واستثماراتها في البلاد التي تمثل بوابة هامة للمصالح الجيوسياسية التركية.