مع تضخم الفوضى العارمة في السودان، الغارقة في حرب بين الجيش والدعم السريع، سارعت إيران لإيجاد فرصة لتعزيز وجودها في هذا البلد الإفريقي الذي يتمتع بموقع جغرافي مميز لتوسيع نفوذها في إفريقيا، إذ كانت طهران تُحاول على مدى عقود الوصول إلى داخل القارة السمراء لأسباب سياسية واقتصادية وأيديولوجية.
كيف تسللت إيران إلى السودان؟
استغلت إيران الوضع في السودان، كونه يُعاني من العزلة الدولية والعقوبات المفروضة عليه بسبب الحرب الداخلية والانهيار السياسي، فسارعت بتقدم نفسها كحليف استراتيجي، كون ذلك بالنسبة لطهران فرصة للعودة إلى الساحة الإقليمية والدولية من بوابة السودان، وهو ما يُتيح لها تعزيز موقفها على المستوى الدولي، لاسيما في ظل التوترات التي تعيشها مع أمريكا وبعض الدول الغربية والإقليمية.
ومن بين وسائل التقارب المتعددة التي لجأ إليها نظام الملالي، كان مد الجيش السوداني بالسلاح أو تقديم مساعدات عسكرية وهو ما ساهم في زيادة اشتعال النزاعات، وسيحول البحر الأحمر إلى ساحة للصراع الدولي، وتعقيد المشهد الأمني في المنطقة ويعرّض الملاحة الدولية لتهديدات متزايدة.
وتبينت تلك الأهداف الإيرانية في استغلال الأوضاع، إبان تصاعد الحرب، حيث إيران في أواخر عام 2023 العلاقات الدبلوماسية مع السودان بعد انقطاع دام 7 سنوات، وأرسلت دبلوماسيين إلى السودان، وافتتحت سفارتها هناك.
وكانت العلاقات بين النظامين في طهران والخرطوم قوية طوال العقود الثلاثة الماضية، حيث تحالف النظامان أيديولوجيًا بعد وصول عمر البشير إلى السلطة عام 1989. وساعد النظام الإيراني حكومة البشير في تأسيس جهازها الاستخباراتي.
تزويد الجيش السوداني بالسلاح الإيراني
وتعمل طهران بنشاط على تزويد الجيش السوداني بالأسلحة والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية والمعلومات الميدانية، ونقلت “بلومبيرغ” عن مسؤولين استخباراتيين ودبلوماسيين قولهم إن بين يناير ويوليو من العام الماضي، قامت شركة “قشم فارس إير”، وهي شركة طيران إيرانية خاضعة للعقوبات الأمريكية ومرتبطة بفيلق القدس، بتنفيذ ما لا يقل عن 7 رحلات بين إيران والسودان.
وبحسب منظمة “كونفليكت أوبزير فاتوري”، فإن أربعًا من هذه الرحلات انطلقت من مطار “مهر آباد” بطهران، وهو موقع قاعدة تابعة للقوات الجوية الإيرانية.
وفي أبريل الماضي، أكدت تقارير إعلامية وجود طائرات مسيرة إيرانية في السودان.
كما أظهر تقرير صادر عن مرصد الصراعات وجود أدلة تفيد بأن إيران نفّذت تسع رحلات شحن إلى السودان بين ديسمبر 2023 ويوليو 2024، محملة بأسلحة ساعدت القوات المسلحة السودانية، من ضمنها طائرات مسيرة هجومية، مضيفًا أن هذه الرحلات تزامنت مع ظهور الأسلحة الإيرانية في ميادين القتال السودانية للمرة الأولى.
وأفاد التقرير بأن الأسلحة التي زودت بها إيران تشمل طائرات مسيرة هجومية من طراز مهاجر-6، بالإضافة إلى محطات التحكم الأرضية ومعدات أخرى.
وأشار إلى أن طائرة الشحن “إي بي-فاب” التي تملكها شركة قشم فارس للطيران، لها سجل في تسهيل نقل شحنات الأسلحة، حيث فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات بسبب تورطها في نقل الأسلحة إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا.
وعلى مدار عام 2023، استخدمت القوات المسلحة السودانية هذه الطائرات المسيرة لاستعادة مناطق محيطة بالخرطوم كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وأكد مسؤولون أمريكيون أن الدعم الإيراني للجيش السوداني يُعقّد علاقاته مع الولايات المتحدة، التي تضغط للتوصل إلى حل سلمي للصراع، حيث أدى إلى واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة.
كما كشف دِرار أحمد دِرار، قائد جماعة شبه عسكرية مؤيدة للجيش السوداني، أن البلاد تتلقى دعمًا من إيران وروسيا، وقال: “إنهم يقدمون أشياء مختلفة مثل الطائرات المسيرة والأسلحة، والآن تغير ميزان القوى”.
الشروط الإيرانية
وفي مقابل ذلك الدعم تهدف إيران الى تدشين قاعدة لها في السودان، حيث سبق أن كشفت وكالة “بلومبيرغ” نقلًا عن مسؤولين استخباراتيين سودانيين و4 مسؤولين غربيين، أن طهران وموسكو أجرتا في الأشهر الأخيرة مفاوضات مع الجيش السوداني لإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان، مشيرة إلى أن هذه المفاوضات أصبحت أكثر أهمية عقب هزيمة روسيا وإيران في سوريا.
وجاءت هذه المفاوضات في وقت تُواجه فيه إيران ضعفًا بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة على وكلائها.
ومع استمرار الحرب الأهلية السودانية، أرسلت إيران شحنات أسلحة وعشرات الطائرات المسيرة إلى السودان، مما مكن الجيش من استعادة أجزاء من العاصمة الخرطوم، والسيطرة على مناطق واسعة من البلاد من قوات الدعم السريع المنافسة.
كما زوّدت إيران الجيش السوداني بطائرات بدون طيار متفجرة لاستخدامها في القتال، وعرضت حديثًا تقديم سفينة حربية قادرة على حمل مروحيات إذا منح السودان الإذن بإقامة القاعدة وهو ما جرى رفضه.
وساعدت الطائرات بدون طيار المتفجرة البرهان على عكس الخسائر التي تكبدها ضد قوات الدعم السريع، وفقًا لمسؤولين إقليميين ومحللين يتابعون القتال.
وقالت صحيفة”وول ستريت جورنال” إن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن طهران تُخطط لاستخدام علاقاتها مع الجيش السوداني لتعزيز تحالفاتها الإقليمية لممارسة المزيد من القوة في الممرات المائية الاستراتيجية في البحر الأحمر.
وتابعت أن إيران تنظر بشكل جيوسياسي استراتيجي، من واقع اهتمامها بالحصول على موطئ قدم في سواحل البحر الأحمر، وهذه الإطلالة ستُعزز نفوذ طهران في المنطقة في ظل وجود حلفاء لها مثل جماعة الحوثي باليمن المطل أيضًا على البحر الأحمر.