مع بداية العام الجديد، أعلنت كييف وموسكو في بيانين منفصلين، الأربعاء.
أن إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا توقفت بشكل نهائي.
بعد انتهاء عقد مدته خمس سنوات وقعه الطرفان نهاية العام 2019.
روسيا توقف إمدادات الغاز
وأكد وزير الطاقة الأوكراني غيرمان غالوشتشينكو، في بيان، “أوقفنا عبور الغاز الروسي، إنه حدث تاريخي.
روسيا تخسر أسواقًا، وستتكبد خسائر مالية”.
من جهتها، قالت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم – في بيان-: “منذ الساعة الثامنة صباحًا (الخامسة بتوقيت غرينتش) لم يتم تسليم الغاز الروسي للعبور عبر أوكرانيا”.
وينهي هذا التوقف أربعة عقود من تدفق الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا،
في وقت تواجه فيه موسكو خسائر غير مسبوقة في سوق الطاقة الأوروبية،
إذ قلص الأوروبيون اعتمادهم على الغاز الروسي بشدة بعد اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير 2022 من خلال البحث عن مصادر بديلة للغاز.
شريان حيوي
ويمتد خط أنابيب “أورينجوي-بوماري-أوزهورود”، الذي يعود إلى الحقبة السوفيتية،
من حقول الغاز في سيبيريا مرورًا بالأراضي الأوكرانية، وصولا إلى سلوفاكيا، حيث يتفرع إلى مسارات تغذي التشيك والنمسا.
ويمثل هذا المسار لأكثر من أربعة عقود الشريان الرئيسي لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا،
حيث نقل في 2023 نحو 14.65 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يقارب نصف إجمالي صادرات الغاز الروسي باتجاه أوروبا، وفقًا للأرقام الرسمية.
وعبر نصف قرن، استطاعت روسيا بناء هيمنة على سوق الغاز الأوروبي وصلت حصتها إلى 35 بالمئة،
قبل أن تنخفض إلى أقل من 8 بالمئة بعد غزو أوكرانيا.
وترسل روسيا الغاز إلى أوروبا عبر طريقين، منذ التخريب الذي طال خطوط أنابيب “نورد ستريم” في بحر البلطيق في سبتمبر في العام 2022.
والمسار الأول الذي يمرّ عبره الغاز الروسي هو خط أنابيب “تورك ستريم” (TurkStream) وامتداده “بلقان ستريم” (Balkan Stream) تحت البحر الأسود، باتجاه بلغاريا وصربيا والمجر.
أما المسار الثاني، فيمر عبر أوكرانيا بموجب عقد أبرم في العام 2019 لمّدة خمس سنوات بين الشركتين الأوكرانيتين نافتوغاز و”جي تي اس او يو” والعملاق الروسي غازبروم.
روسيا.. الأكثر تضررًا
ورغم اتخاذها ذلك القرار، لكن يتوقع أن تتكبد روسيا الخسائر الأكبر توقف الخط العابر لأوكرانيا،
فإلى جانب خسارة 5 مليارات دولار من مبيعات الغاز، سجلت شركة غازبروم خسارة سنوية بقيمة 7 مليارات دولار في 2023، وهي الأولى منذ أكثر من عقدين.
وبالإضافة إلى الخسائر المالية المباشرة، من شأن وقف الخط أن يؤدي إلى استمرار تراجع النفوذ الروسي في سوق الطاقة الأوروبية،
إذ أن موسكو التي استغرقت نصف قرن لبناء حصتها في هذا السوق، شهدت تراجعًا حادًا في نفوذها من 35 بالمئة إلى أقل من 8 بالمئة في غضون عامين فقط.
ويتجلى هذا الانحسار في حجم الصادرات الذي هبط من مستوى قياسي بلغ 201 مليار متر مكعب في 2018 إلى نحو 15 مليار متر مكعب فقط في 2023.
كما فقدت روسيا معظم طرق تصدير الغاز إلى أوروبا، مع إغلاق خط يامال-أوروبا عبر بيلاروسيا، وتعطل خط نورد ستريم في بحر البلطيق.
علاوة على أن موسكو خسرت عملاء تقليديين مهمين، مثل النمسا التي أنهت عقودًا استمرت ستة عقود مع غازبروم.
موقف أوكرانيا
ورغم أن أوكرانيا لا تستخدم غاز العبور الروسي، إلا أن كييف ستتحمل تكلفة اقتصادية كبيرة بخسارة 800 مليون دولار سنويًا من رسوم عبور الغاز الروسي.
وتسعى كييف من خلال قرارها عدم تجديد الاتفاق تجفيف مصادر التمويل الروسية،
من خلال منع موسكو من الحصول على عائدات بيع الغاز.
وفي 19 ديسمبر، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن كييف قد تنظر في السماح بعبور الغاز الروسي فقط إذا تم حجب المدفوعات إلى موسكو حتى انتهاء القتال.
واعتبرت وزارة الطاقة الأوكرانية، أن وقف عبور الغاز الروسي يأتي لـ”أسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية”.
التحديات الطاقية للاتحاد الأوروبي
ويواجه الاتحاد الأوروبي واقعًا صعبًا مع اقتراب شتاء قاس، إذ أن انخفاض احتياطيات الغاز بنسبة 20 بالمئة منذ سبتمبر يشكل مصدر قلق كبير.
كما يواجه الاتحاد تحديًا اقتصاديًا مع ارتفاع أسعار الغاز بنسبة 5 بالمئة لتصل إلى 49 يورو للميغاواط ساعة،
مقتربًا من أعلى مستوى سنوي سُجل في أوائل ديسمبر.
ومن المتوقع أن يظل السوق تحت الضغط، مع توقعات بشتاء أبرد من المعتاد ومستويات أقل من الرياح لتوليد الكهرباء.
ويضغط هذا الارتفاع على المستهلكين والصناعات الأوروبية، مع مخاوف متزايدة من تراجع القدرة التنافسية للقطاع الصناعي،
وخاصة في ألمانيا، أكبر اقتصاد في القارة.
ورغم هذه التحديات، يتجه الاتحاد نحو تنويع مصادر إمداداته من الغاز، معتمدا بشكل متزايد على موردين جدد مثل النرويج والولايات المتحدة وقطر.
وذكرت المفوضية الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي استعد لقطع الإمدادات.
وقال متحدث باسم المفوضية: “البنية الأساسية للغاز في أوروبا مرنة بما يكفي للتزود بالغاز من منشأ غير روسي،
تم تعزيزها منذ عام 2022 بقدرات جديدة وكبيرة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال”.