في ظل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم نقطة محورية للمشهد الدولي.
مع انتهاء حقبة دونالد ترامب، التي اتسمت بحرب تجارية شرسة وتوترات دبلوماسية حادة، تبرز تساؤلات حول إمكانية التوصل إلى أرضية مشتركة تحقق المصالح المتبادلة للبلدين، رغم التعقيدات التي فرضتها هذه المرحلة.
وقد اعتبر وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الثلاثاء، أن بكين وواشنطن قادرتان على “تحقيق الكثير من الأمور العظيمة” إذا تعاونتا سويا، في تصريح يأتي قبيل شهر تقريبا من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وقال وانغ خلال ندوة في بكين: إن مبادرات مثل الحوار بشأن المسائل المالية ومكافحة المخدرات “خير دليل على أنه ما دامت الصين والولايات المتحدة تتعاونان، يمكننا تحقيق الكثير من الأمور العظيمة”.
لكن الوزير الصيني حذر – في الوقت نفسه- الولايات المتحدة من “تدخلها الفظ” في قضية تايوان التي تعتبرها بلاده شأنا داخليا.
وفي السنوات الأخيرة حدثت خلافات بين أكبر اقتصادين في العالم بسب قضايا شتى، من التجارة والتكنولوجيا إلى حقوق الإنسان وجزيرة تايوان.
وتعتبر الصين تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتعارض أي اعتراف دولي بالجزيرة مؤكدة أنها لن تتوانى عن استعادتها حتى إن اضطرها ذلك لاستخدام القوة العسكرية.
ضغوط أمريكية صينية في حقبة ترامب الأولي
خلال فترة حكم ترامب، تعرضت العلاقات الصينية-الأمريكية لضغوط غير مسبوقة تمثلت في فرض تعريفات جمركية ضخمة، وتبادل الاتهامات بشأن قضايا الأمن السيبراني وحقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى النزاع على مسائل جيوسياسية مثل بحر الصين الجنوبي وتايوان.
ومع انتقال السلطة في واشنطن مجددًا إلى ترامب، يظل الملف الصيني تحديًا رئيسيًا للإدارة الأمريكية، التي تدرك رغم صعوبة المشهد أهمية التنسيق مع بكين بشأن قضايا عالمية ملحة.
مصالح كبرى مشتركة بين الطرفين
من بين المصالح المشتركة التي تجمع بين الولايات المتحدة والصين رغم توتر العلاقات، تأتي الملفات الاقتصادية على رأس الأولويات، كلا البلدين يعتمدان على التجارة الثنائية لضمان استقرار اقتصاداتهما، حيث تمثل الولايات المتحدة سوقًا رئيسيًا للسلع الصينية، بينما تعتمد الشركات الأمريكية على خطوط الإنتاج الصينية منخفضة التكلفة.
ومن هذا المنطلق، يعد الحفاظ على التدفق التجاري بين الطرفين أحد المصالح الأساسية التي يسعى الطرفان لتعزيزها أو على الأقل عدم تعطيلها بشكل كارثي.
علاوة على ذلك، تشكل التحديات البيئية والاحتباس الحراري أرضية خصبة للتعاون بين القوتين، خاصة في ظل التأثير العالمي لأزمة المناخ، الصين، باعتبارها أكبر مصدر لانبعاثات الكربون، والولايات المتحدة، باعتبارها ثاني أكبر مصدر، تدركان أن معالجة التغير المناخي تتطلب تنسيقًا مشتركًا وقيادة جماعية.
اتفاق باريس للمناخ كان أحد الأمثلة المهمة التي كشفت عن قدرة البلدين على تجاوز خلافاتهما من أجل هدف عالمي مشترك، ومع تجدد الالتزامات البيئية بعد إدارة ترامب، يمكن أن يعود التعاون الصيني-الأمريكي حول الطاقة النظيفة والاستدامة ليشكل نقطة التقاء مهمة.
وعلى صعيد الصحة العالمية، كشفت جائحة كورونا هشاشة النظام الصحي العالمي وضرورة التعاون بين الدول الكبرى، ورغم الاتهامات المتبادلة بين البلدين حول أصل الفيروس وكيفية انتشاره، إلا أن مواجهة الأوبئة المستقبلية تتطلب تنسيقًا وثيقًا بين الصين والولايات المتحدة لضمان تبادل المعلومات وتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي في مجالات البحث الطبي وإنتاج اللقاحات.
وفي مجال التكنولوجيا، ورغم المنافسة الشرسة بين البلدين، لا تزال المصالح المشتركة حاضرة. التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وشبكات الجيل الخامس، تحتاج إلى بنية تحتية عالمية تتجاوز الحدود السياسية.
الاستثمار في هذه المجالات وتعزيز الابتكار التكنولوجي يمثل فرصة لكلا البلدين لتحقيق مكاسب اقتصادية وتكنولوجية، رغم التوترات بشأن شركات صينية مثل هواوي.
القضايا الجيوسياسية أيضًا، وإن كانت مثار خلاف، يمكن أن تمثل مجالًا للحوار الاستراتيجي. منطقة آسيا-المحيط الهادئ تمثل ساحة رئيسية لتنافس النفوذ بين البلدين، لكن الاستقرار في هذه المنطقة يخدم مصالحهما المشتركة.
إضافة إلى ذلك، تسعى واشنطن وبكين لتجنب مواجهة عسكرية مكلفة قد تضر بالاقتصاد العالمي وتؤدي إلى نتائج كارثية للطرفين.
يظل التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين واقعًا لا يمكن إنكاره، لكن هذا التنافس لا ينفي وجود مصالح متبادلة تفرض على البلدين إيجاد مسارات للحوار والتعاون.
فالعالم اليوم يواجه تحديات لا يمكن لأي دولة مواجهتها بمفردها، سواء كانت قضايا المناخ، الصحة، الاقتصاد، أو حتى الحفاظ على الاستقرار العالمي.