في ظل حرباً مستعرة دخلت شهرها العاشر مع تزايد أعداد القتلى نتاج للتصعيد المستمر، وكذلك رفض كلا الجانبان التواصل لهدنة معلنة وصيغة واضحة لوقف إطلاق النيران، ومع ذلك فالتصعيد الذي بات خطيرًا اقترب من الانهيار نتاج لما يقوم به الجانب الإسرائيلي من المماطلة وكذلك رفض حماس للشروط الإسرائيلية.
ووفق معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية كان معروفاً سابقاً أن سفر رئيسي جهازي الموساد والأمن العام “الشاباك” ديفيد برنياع ورونين بار إلى القاهرة في نهاية الأسبوع الفائت، لغاية استئناف محادثات صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس، عقيمة ولن تحمل أي بشائر جديدة.
وفي نهاية الأسبوع نشرت وسائل إعلام إسرائيلية عن اندلاع صدام حاد بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورؤساء المؤسسة الأمنية على خلفية رفض توصيتهم بالمضي قدماً نحو المفاوضات.
ومع ذلك فإن رؤساء المؤسسة الأمنيّة لا يخرجون علناً ضد نتنياهو، باستثناء تلميحات بسيطة بهذا الخصوص يدلي بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي يبدو أن مواقفه منسجمة مع ما تتبنّاه المؤسسة الأمنيّة.
وقد كتب كبير المحللين السياسيين في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، فإن الوسطاء الأميركيين والمصريين والقطريين، وكذلك رؤساء المؤسسة الأمنية في إسرائيل، مقتنعون بأن اتفاق صفقة التبادل الذي من شأنه أن يغير وجه الحرب مطروح على الأجندة، ومن يكبحه هو نتنياهو، الذي قرر إحباط أي تقدّم ويبدو أنه يفعل ذلك لوحده. كما أنه لم يعد يكافح في سبيل آرائه، بل بات متمسّكاً بها. كذلك فإن الحوار بين المستويين السياسي والعسكري، الذي كان يسبق كل قرار لرؤساء الحكومة الإسرائيلية في الماضي، بمن في ذلك نتنياهو، توقف ولم يعد قائماً.
وقد شهد مصدر إسرائيلي مطلع على عملية اتخاذ القرارات أن نتنياهو تغيّر، حيث كفّ عن الإنصات، وأمسى مقتنعاً بالطريق الذي اختار السير فيه، وهو مصرّ على جرّ إسرائيل معه.
ويقول الباحث السياسي الدكتور هاني المصري، إن منذ بدء الحرب على مدينة الحديدة في اليمن واغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية، والتزام كل من إيران وحزب الله ومليشيات الحوثي بالرد على اسرائيل، التي بدورها على أعصابها بانتظار الرد، لدرجة أن هناك أوساطًا سياسية وعسكرية طالبت بتوجيه ضربة استباقية لم يوافق عليها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؛ لأنه يدرك معارضة واشنطن لها، وعجز إسرائيل عن خوضها منفردة.
وأضاف المصري – في تصريحات خاصة لملفات عربية-، إن أي ضربة استباقية ستؤدي حتمًا، كما كتب الجنرال الإسرائيلي السابق إسحاق بريك، إلى حرب إقليمية، أما الرد فقد يؤدي أو لا يؤدي إلى حرب إقليمية وفقًا لاستهدافاته والأضرار التي يسببها. فإذا كان قويًا وألحق أضرارًا ملموسة، خصوصًا في صفوف المدنيين، فسيستدعي ردًا إسرائيليًا فوريًا، وإذا كان مدروسًا وحكيمًا فسيكون تحت سقف الحرب الإقليمية، وسيستدعي ردًا إسرائيليا من نفس الحجم أو قد لا يؤدي إلى أي رد، ومن الواضح أن إدارة بايدن لا تريد حربًا إقليمية على غرار الإدارات السابقة إدارات جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب، التي منعت إسرائيل من مهاجمة إيران وتوريط واشنطن في الحرب معها.
ويعود سبب معارضة واشنطن للحرب الإقليمية إلى أنها لا ترى الصراع مع إيران وجوديًا، وإنما على النفوذ والمصالح، لذا تفضل احتواء إيران ومحاصرتها ومحاولة تغيير سياستها أو نظام الحكم فيها.