تتزايد حدة التوتر بين مصر وإسرائيل منذ أن سيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة العازلة على الحدود بين غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية وسيطرت بشكل كامل على ممر فيلادلفيا، وخلال الأسبوع الماضي، لم تسفر الجهود الأمريكية للتوسط في إعادة فتح معبر رفح على طول تلك الحدود عن نتائج بعد.
وتصاعدت التوترات منذ أن بدأت القوات الإسرائيلية هجومها هناك في 6 مايو في تحد للتحذيرات الدولية. وقد أدت العملية الجارية في رفح إلى زيادة توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل، مما يعرض معاهدة السلام بينهما للخطر.
وفي أكثر من شهر من القتال، انتزعت إسرائيل السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي، بالإضافة إلى ممر فيلادلفي – وهو قطاع منزوع السلاح يبلغ طوله تسعة أميال بين غزة ومصر. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيطر “عملياتيا” على المنطقة العازلة بين مصر وغزة في 29 مايو.
وبعد وقت قصير من سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في أوائل مايو، أوقفت القاهرة شحنات المساعدات إلى غزة احتجاجًا على ذلك، وقد وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على استئناف هذه الشحنات بعد مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي جو بايدن في 24 مايو.
ومع ذلك، لم تحرز مصر وإسرائيل أي تقدم في المحادثات التي جرت بوساطة أمريكية في 2 يونيو لإعادة فتح المعبر بعد رفض المسؤولين الإسرائيليين، وأفاد موقع “أكسيوس” في 7 حزيران، أن السلطة الفلسطينية ليس لها أي دور في تشغيل المعبر، ووقعت على الاتفاقية بعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005 اتفاق فيلادلفي مع مصر، الذي منح القاهرة الحق في نشر حوالي 750 من حرس الحدود على طول المنطقة.
وأثار نشر القوات الإسرائيلية في المنطقة لأول مرة منذ عام 2005 انتقادات حادة من جميع شرائح المجتمع في مصر. من ناحية أخرى، حذرت الحكومة المصرية من مغبة التصعيد الإسرائيلي في المنطقة.
وكان تبادل إطلاق النار بين إسرائيل والقوات المصرية بالقرب من منطقة رفح الحدودية في 27 مايو، والذي أدى إلى مقتل جندي مصري، قد هدد بدفع الوضع إلى حافة الهاوية، وأعلنت السلطات الإسرائيلية والمصرية بشكل منفصل أنها تحقق في الحادث.
قال خبراء عسكريون وسياسيون مصريون، بحسب موقع “المونيتور”: إن التوترات المصرية الإسرائيلية وصلت إلى مستوى غير مسبوق، لكن الحرب بين البلدين ما تزال بعيدة المنال.
ووقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وأنهت الصفقة، التي توسطت فيها الولايات المتحدة في ذلك الوقت، عقودًا من الحرب بين البلدين وكانت بمثابة أساس للسلام في الشرق الأوسط.
وعلق على ذلك، رخا أحمد حسن، نائب وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، لـ”المونيتور”، إن تبادل إطلاق النار الأخير على الحدود يعكس ما مدى خطورة الوضع عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على السلام بين القوى الإقليمية ذات الثقل.
كما قال العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية ومقرها القاهرة: إن مثل هذه الحوادث قد تتكرر مرة أخرى في المستقبل مع تعميق الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في رفح، وأضاف: “تعتقد مصر أن القوات الإسرائيلية متهورة وقد ترتكب الأخطاء بسهولة بينما تواصل هجومها في رفح”.
ويرى نمرود جورين، زميل بارز للشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط، لـ Al-Al-News، إن “الطريقة التي تعامل بها الجانبان مع الحادث الحدودي (في 27 مايو) تشير إلى أنهما يريدان منع التصعيد على الرغم من التوترات والخطاب القاسي ضد تصرفات إسرائيل”.
وأعلنت إسرائيل الحرب على قطاع غزة بعد أن شنت حماس هجومًا معقدًا وغير مسبوق على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر؛ مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من 240 رهينة. ومنذ ذلك الحين، أدى الهجوم الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 36 ألف فلسطيني في غزة، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.
ويعتبر معبر رفح شريان الحياة الرئيسي لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نصفهم على حافة المجاعة، بحسب البنك الدولي، وكانت المدينة أيضًا بمثابة ملاذ لمئات الآلاف الذين فروا من منازلهم في أماكن أخرى في غزة في الأيام الأولى للحرب. وتضخم عدد سكان رفح إلى نحو 1.4 مليون نسمة ارتفاعًا من 230 ألفا قبل الحرب. ومنذ الهجوم الإسرائيلي على رفح في مايو، فر أكثر من مليون شخص من منازلهموملاجئهم في المدينة، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين (الأونروا).
وتشعر مصر بالقلق من أن الهجوم على رفح قد يجبر الفلسطينيين الذين أنهكتهم الحرب على الفرار عبر الحدود إلى شبه جزيرة سيناء، وحذر كبار المسؤولين المصريين، بمن فيهم السيسي، مرارًا وتكرارًا من هذا السيناريو، الذي أشارت وزارة المخابرات الإسرائيلية إلى احتمال حدوثه في تقرير لها في زمن الحرب أواخر أكتوبر الماضي.
وقد أثارت الخطة إدانة واسعة النطاق، مما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تخفيف لهجة خطابها بشأن ما تدعي أنه “هجرة طوعية” للفلسطينيين.
وتعتبر مصر العمليات الإسرائيلية في رفح واستيلاءها على المعبر وممر فيلادلفيا بمثابة انتهاك لمعاهدة السلام. وقال مصطفى بكري، النائب المقرب من الحكومة المصرية، للمونيتور عبر الهاتف: إن القاهرة قدمت شكوى قوية إلى الولايات المتحدة، تطالب فيها بانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة الحدودية، وفي الوقت نفسه، رفضت السلطات المصرية إعادة فتح جانبها من معبر رفح منذ أن سيطرت القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني منه في مايو الماضي.
وأصرت مصر على أنها لن تتعامل مع الأفراد الفلسطينيين إلا على الجانب الآخر من المعبر، بحسب بكري. ولا ينطبق القرار الذي اتخذه السيسي في 24 مايو باستئناف تدفق المساعدات إلا على الشحنات التي تمر عبر معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل.
وقالت مصادر مصرية نقلتها صحيفة وول ستريت جورنال: إن الاجتماع انتهى دون إحراز أي تقدم، واتفق الطرفان على مواصلة المحادثات في الأيام القليلة المقبلة، وأضافت: “لقد أثبتت العلاقات بين إسرائيل ومصر أنها مرنة، حتى في أوقات الأزمات الإقليمية، وهذا يحدث مرة أخرى”.
وعلق جورين: “يبدو أن إسرائيل ومصر تعملان خلف الكواليس لأخذ احتياجات ومخاوف كل منهما في الاعتبار، وذلك لمنع انهيار معاهدة السلام”.
وقال محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للمونيتور عبر الهاتف: إن معبر رفح الحدودي هو معبر مصري فلسطيني، ولن تقبل مصر والسلطة الفلسطينية بوجود إسرائيل هناك، في إشارة إلى اتفاقية المعابر لعام 2005 بين الطرفين. إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث يدير الفلسطينيون جانب غزة من المعبر تحت مراقبة أوروبية.
وأضاف: أن “السلطات الفلسطينية والمصرية تناقشان إعادة فتح المعبر، لكن لم نتوصل بعد إلى آلية”.
وأفاد موقع “أكسيوس” الإخباري في 30 مايو أن إسرائيل اقترحت إعادة انتشار قواتها خارج منطقة المعبر، في حين سيتولى ممثلون عن الأمم المتحدة وفلسطينيون غير تابعين لحماس في غزة إدارة ذلك.