في أيام معدودة، ظهر بوضوح التقارب بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، وتحديدًا جبهة لندن التي يتزعمها صلاح عبدالحق، وهو ما تبين بشدة في أعقاب مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
يوم 19 مايو الجاري، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين، بيانًا من خلال نشر بيان على موقعها الرسمي على الإنترنت، عن متابعتها عن كثب لسقوط طائرة إبراهيم رئيسي، وباليوم التالي بعد تأكيد مقتله، نشرت جماعة الإخوان المسلمين بيانًا على موقعها الإلكتروني المخصص تعليقًا على سقوط المروحية التي تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان والوفد المرافق لهما قائلة: “تعبر جماعة الإخوان المسلمين عن أسفها لحادث اختفاء طائرة الرئيس الإيراني مع فريق من رجال الدولة”، وعبرت جماعة الإخوان عن تضامنها مع الشعب الإيراني.
كما خصصت عبر صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي منشورًا لدفتر عزاء الرئيس الإيراني الراحل ونعيه بين متابعيها، والذي جاء على خلاف جبهة تركيا التي التزمت الصمت حيال ذلك الأمر.
بل على الخلاف تمامًا، أصدرت جبهة تركيا بيانًا تنفي فيه أي بيانات صادرة من التنظيم (يقصد جبهة لندن) حيث طلب التأكيد على دقة مصادرها وعدم اتخاذ أي تصريح عن التنظيم إلا من الوسائل و الموكلين الإعلاميين “لجبهة تركيا”.
وتشمل العلاقة بين الإخوان وإيران جملة من المشتركات الأيديولوجية والعلاقات التاريخية بُنية وهوية التقارب منذ إرهاصات “الثورة الإسلامية” عام 1979، حيث تتلاقى المفاهيم الأيديولوجية والأفكار والمرجعيات عند الإسلام السياسي- السني والشيعي- برغم اختلاف مذاهبه، وتناقلته وأثرت وتأثر به طرفا العلاقة.
ولقد تأثر الإسلام السياسي في إيران بحسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم، كما انعكست الثورة الإيرانية على نهج ومسارات جماعات الإسلام السياسي السنية في المنطقة، ويمتلك الطرفان المواقف والتصورات السياسية عينها تجاه العلاقة مع الغرب، والمقاربة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكلاهما يلتقي في محورية البُعد الديني والخطابي والموقف من الدولة الحديثة.
وتعمل إيران منذ عقود على تعزيز علاقاتها بكل الدول والمذاهب الإسلامية المختلفة في أنحاء العالم كافة، من أجل فرض المزيد من الهيمنة والنفوذ بها لخدمة مشروعها السياسي الذي ظهرت نماذجه في دول مثل العراق ولبنان وسوريا. وقد اتجهت لتوظيف جميع الأدوات الممكنة لتحقيق هذا الغرض الاستراتيجي بعيد المدى، مثل إنشاء “مؤتمر الوحدة الإسلامية” بدعوة من قبل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بإيران.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أبرز الداعين إلى الخلافة، وظهر ذلك من خلال رسائل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وبخاصة رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان “الإخوان المسلمون والخلافة” والتي قال فيها: “ولعل من تمام هذا البحث أن أعرض لموقف الإخوان المسلمين من الخلافة وما يتصل بها، وبيان ذلك أن الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله”.
وعلى نهج جماعة الإخوان نشأت العديد من حركات الإسلام السياسي في كل الدول الإسلامية، لا سيما في إيران خلال خمسينات القرن الماضي، حيث تتمحور السياسة الخارجية الإيرانية لخدمة أهدافها التوسعية، الذي يشمل من النواحي الاستراتيجية “العالم الإسلامي”، ولذلك تستهدف إيران المبادئ الإسلامية العليا بمعزل عن الاختلافات المذهبية، عند مخاطبة عموم المسلمين، وهذا النهج متبع منذ “الثورة الإسلامية” عام 1979، ويحمل أجندتها بطبيعة الحال.
وبالقدر نفسه، كان هناك ترابطٌ يجمع ما بين الإخوان المسلمين، وحزب الدعوة بقيادة محمد باقر الصدر، ويُذكر أن كُتابات الصدر وخطبه كانت متداولة بين الإسلاميين، وكذلك كانت أفكار كل من سيد قطب والمودودي بالنسبة لأتباع حزب الدعوة، لكن؛ تأثرت العلاقة بين طرفي الإسلام السياسي (السني والشيعي)، بصعود حركات السلفية الجهادية، ومواقفها المتطرفة تجاه الآخر، الأمر الذي أعاد العلاقات المذهبية وفقًا لقاعدة الربح والخسارة كما كانت عليه تاريخيًا، وقد انعكس ذلك على بؤر الصراعات والتنافسات حول السلطة والموارد، وبرزت بشكل أكثر تحديدًا بعد حرب العراق عام 2003 ثم الأزمة السورية عام 2011.
أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فترى في علاقاتها مع إيران مصلحة لتقديم نفسها بوصفها جماعة تنادي وتطالب بالوحدة الإسلامية، للضغط على الدول العربية وبشكل خاص تلك التي تتخذ موقفًا معارضًا من السياسات التوسعية الإيرانية، لكن نظرًا لتطورات ما يعُرف بـ”الربيع العربي” أصبحت الجماعة مضطرة أن تقيد حجم علاقاتها وتعاونها مع إيران، ومخاوفها من موقف الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا التي تسود عندها صورة سلبية عن سياسات إيران الخارجية، مع ذلك بمجرد أن وصلت الجماعة للسلطة في مصر عام 2011، سارعت إلى إجراء اتصالات مع إيران.
لذا التقى الإخوان المسلمين وإيران في دعوات أسلمة القوانين والمجتمعات، وقد كان لذلك تأثير على العديد من الدول العربية، وبشكل خاص من مخاطر تكرار نموذج الثورة الإسلامية في إيران، وهو النموذج الذي تسعى جماعة الإخوان المسلمين لتطبيقه في مناطق نشاطها كما ظهر بشكل جلي بعد ما يعرف بـ”الربيع العربي”، إلا أن التغيرات في المجتمعات بين العام 1979، والعام 2011، حالت دون تحقيق الاستجابة والزخم المطلوبين لصعود الجماعات الإسلامية واستمراريتها.