ذات صلة

جمع

بعد يوم طاحن.. إسرائيل توافق على وقف إطلاق النيران

بينما واصلت القوات الإسرائيلية شن ضربات مكثفة على مواقع...

روسيا: نقل أسلحة نووية إلى كييف يهدد بصراع من نفس النوع

شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا كبيرًا في الصراع الروسي الأوكراني...

مصادر: ” نعيم قاسم” يختار “محمد رعد” نائبًا له بحزب الله

يتجه نعيم قاسم الأمين العام الجديد لحزب الله اللبناني...

قبل عيد الشكر.. ضغوط على تل أبيب لقبول اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله

توصلت إسرائيل وحزب الله إلى اتفاق لوقف إطلاق النار...

لماذا يتعثر المسار السياسي الليبي باستمرار رغم محاولات التسوية العديدة؟

بعد فشل المحاولات مرات عديدة، تدخل الأزمة الليبية مرحلة جديدة وسط التفاعلات المحيطة بها سواء على صعيد الداخل أم الخارج؛ إذ وضعت استقالة المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي، في 16 إبريل 2024؛ أي بعد نحو 18 شهرًا من توليه مهام منصبه، المشهد في ليبيا أمام تحول ربما لن يختلف كثيرًا عن التحولات التي طرأت على الأزمة طيلة الفترات الماضية، والتي اتسمت في مُجملها بالتعقيد والارتباك ولم تنجح في وضع حد لتضارب المصالح والحسابات الضيقة للفاعلين المؤثرين في المشهد؛ ما أفضى إلى مزيد من التكرار وإعادة إنتاج ذات المشكلات دون تغيير.

وثمة محاولات وترتيبات تستهدف كسر الجمود السياسي وتجاوز حالة الانقسام في ليبيا، ويطرح الحراك في الأزمة خلال الفترة الأخيرة، بمستوياته المختلفة، جملة من التساؤلات، سواء ما يتعلق بمرحلة ما بعد استقالة المبعوث الأممي، باتيلي، أم مواقف الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المشهد، وطريقة التعاطي مع الملفات الخلافية، وما يمكن أن يطرأ على الأزمة في ضوء تصاعد حدة التنافس بين القوى في ليبيا.

وأجابت دراسة حديثة أصدرها مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة عن تلك التساؤلات، حيث قال: إن السنوات الثلاث عشرة الماضية كشفت عن مدى القصور في تحركات الأمم المتحدة تجاه الأزمة الليبية؛ إذ لم ينجح المبعوثون الأمميون كافة، منذ إرسال أول مبعوث إلى ليبيا في إبريل 2011، وصولاً إلى استقالة المبعوث التاسع، في 16 إبريل الماضي، في إيجاد مخرج أو وضع حد لدوامة الإخفاقات المتكررة في المسار السياسي الليبي، وذلك على الرغم من أن بعضهم امتلك الكثير من الخبرة السياسية في إدارة مثل هذه الأزمات.

ويُثير تعدد المبعوثين في ليبيا وعدم القدرة على تحقيق اختراقات كبيرة، تساؤلات حول غياب الفعالية وتراجع التأثير، وما إذا كانت الأمم المتحدة تفتقد للآليات التي يمكن من خلالها التعاطي مع تأزم الموقف في ليبيا أم أنها تظل مقيدة بالصلاحيات والمسؤوليات المُخولة إليها من قِبل مجلس الأمن، والتي تجعل دورها قاصرًا على ممارسة أدوار الوساطة بهدف التوفيق بين أطراف الأزمة.

كما طرحت التحولات الراهنة في ليبيا وحالة الانسداد تساؤلات حول ما يمكن أن تكون عليه المرحلة التالية لاستقالة باتيلي، وما يمكن أن تقدمه نائبة رئيس البعثة الأمريكية، ستيفاني خوري، التي تم تعيينها في مارس الماضي، والتي ستباشر أعمال المبعوث الأممي بالإنابة في ليبيا خلال الفترة المقبلة.

وفي الواقع ليس أمام ستيفاني بدائل كثيرة؛ إذ إن مساحة حركتها ستكون محكومة بمسارين: الأول يدور حول إمكانية السير على نفس خُطى باتيلي، عبر الدعوة لإحياء مبادرته للحوار مع الأطراف الليبية ومنحها زخماً دولياً، والعمل على معالجة ما بها من قصور؛ بهدف استيعاب مطالب الأطراف الداخلية التي رفضت الانخراط فيها.

ومن ناحية ثانية، يمكن أن تتجه ستيفاني لتقديم طرح بديل، ويُرجح أن تكون خطواتها القادمة أشبه بالتحركات التي لجأت إليها مواطنتها ستيفاني ويليامز، عندما أطلقت ملتقى الحوار السياسي بمشاركة 75 ليبياً، وأفضى إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة.

فيما أنتجت التفاعلات السياسية والعسكرية في ليبيا خريطة نفوذ لأصحاب المصالح والفاعلين الرئيسيين، وبمرور الوقت أصبحت هناك سلطة ومؤسسات أمر واقع؛ إذ باتت الأطراف الخمسة الفاعلة ممثلة في رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكاله، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس حكومة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، والقائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر.
وهذه الأطراف الرئيسية متحكمة في المشهد الليبي ولديها القدرة على عرقلة أي مسار للانتقال السياسي، خاصةً إذا ما تعارض مع مصالحها، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق انفراجة في ظل ترسيخ هؤلاء الكبار الخمسة لسياسة الأمر الواقع؛ وهي إحدى الإشكاليات الرئيسية التي من الصعب تجاوزها في ليبيا؛ بمعنى آخر لا يمكن إنتاج أية تفاعلات بعيدة عن الأجسام السياسية والعسكرية المعبرة عنهم.

كما أن فكرة الإطاحة بكل هؤلاء من المشهد تواجه تعقيدات سياسية واجتماعية، وعليه فإن أقصى ما يمكن أن يتم في هذا الأمر؛ العمل على ممارسة مزيد من الضغوط على هذه الأجسام لإجبارها على تقديم تنازلات والتخلي عن مواقفها المختلفة تجاه مساعي التسوية، وتصطدم فكرة التنازلات بالمصالح المتضاربة لتلك الأطراف الليبية.

وتبقى معضلة التسوية في ليبيا مرتبطة بعملية ترتيب الأولويات حول القضايا والملفات المطروحة؛ بمعنى هل يجب أن تُعطى الأولوية للمسار العسكري أم للسياسي أم للاقتصادي؟ وهل من الأجدى الاستمرار في تجزئة الملفات وفقاً لحسابات المرحلة والضرورة، أم أن هناك حاجة لإعادة النظر في هذه الملفات باعتبارها كتلة واحدة ومترابطة.

فعلى سبيل المثال، استمرت المعالجة المنقوصة للملف الأمني قائمة خلال السنوات الماضية. وعلى الرغم من نجاح اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في تثبيت وقف إطلاق النار، وعدم الدخول في مواجهات كبرى، فإنها أخفقت في عملية توحيد الجيش الليبي والتعاطي مع أزمة المقاتلين الأجانب في البلاد، كما فشلت في تحييد دور المليشيات والجماعات المسلحة.
كذلك تعثرت جهود المصالحة الوطنية بعدما اتسع نطاق الخلاف بين أطرافها؛ ما أفضى إلى عدم انعقاد المؤتمر الوطني للمصالحة، والذي كان مقرراً له الانعقاد في سرت يوم 28 إبريل الماضي. فيما لم يستحوذ الملف الاقتصادي على قدر كافٍ من الاهتمام، بالرغم من أنه من مسببات الأزمة في ليبيا.
كما أن التسوية السياسية على الرغم من أنها حازت على النصيب الأكبر من التفاعلات، فإن ذلك لم يؤد إلى تحقيق طفرة أو نقلة نوعية في هذا الملف، بل إن أي تقدم في المسار السياسي كان يقود إلى مزيد من الإشكاليات، خاصةً أنه كان يخلق مراحل انتقالية جديدة وإدارة مؤقتة تعمل على التمسك بالسلطة لأطول مدة ممكنة. ويبدو أن هذه الإشكاليات ستظل عالقة دون تحقيق تقدم أو إنجاز بخصوصها، ويدعم ذلك الانقسام والخلافات الحادة بين المكونات الليبية، واستمرار الصراع على السلطة، علاوة على بروز دور المؤسسات الموازية، وغيرها من الظواهر.

وخلصت الدراسة إلى أنه ما تزال الأزمة الليبية تعاني الكثير من التعقيدات التي قد يصعب تجاوزها؛ وعليه لا يُرجح أن تشهد ليبيا في المدى المنظور تحولات تقود إلى تغيير في النموذج والنمط العام الحاكم للصراع هناك؛ وهذا يعني أن الحديث عن انفراجة قريبة وكبيرة في المشهد الليبي، يظل بعيد المنال، وذلك على الرغم من أن الخطاب العام للفاعلين في هذا البلد يسير في اتجاه الدعوة لإنهاء المراحل الانتقالية والتوجه نحو تسوية الأزمة.

spot_img