بروح الأخوة وتوطيدا للعلاقات العربية، مد العراق يده إلى اليمن لتحسين ودعم أوضاعه المتدهورة بشدة، على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي، بينما تزيد ميليشيا الحوثي الأوضاع اليمنية بأزمات وانتهاكات عدة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، أبدى العراق استعداده للعب دور الوساطة للمساعدة في إيجاد حل للحرب في اليمن بعدما وقَّع وزيرا خارجية البلدين “اتفاقاً للتشاور السياسي” من المؤمل أن يشكل رافداً جديداً في إطار الخطوات السياسية الأخيرة التي شهدها هذا الملف لوضع حد لمعاناة ملايين المنهكين والجياع للخروج من نفق الأزمة الدامية التي دخلت عامها التاسع.
وفي زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول يمني رفيع لبغداد منذ ما قبل الحرب عام 2014، أعلن خلال مؤتمر صحفي مشترك بين وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك ونظيره العراقي فؤاد حسن، عن استعداد بغداد للعمل من أجل إحلال السلام في اليمن الذي قال حسن إنه يعاني أوضاعاً إنسانية معقدة بسبب استمرار الصراع فيه، مشدداً على ضرورة ضمان إيصال المساعدات إلى اليمنيين.
وفي حديثه كشف حسن عن أن “العراق مستعد للمساعدة في هذا المجال، (تجديد الهدنة والدخول في مشاورات للحل السياسي)؛ إذ لدينا علاقات جيدة مع جميع الأطراف ويمكننا أن نضع هذه العلاقات في خدمة الاستقرار والأمن في اليمن، ويمكننا التحرك إقليمياً في هذا المجال”، مضيفاً “الآن هناك وقف إطلاق نار أو هدنة غير معلنة نأمل في أن يتحول إلى حوار بين جميع الأطراف اليمنية”.
وحث على “ضرورة تجاوز الأطراف المتحاربة مرحلة الاقتتال إلى مرحلة الحوار الذي يكفل استئناف عمليات تصدير النفط والغاز ووضع إيراداتهما في خدمة المجتمع”، في إشارة إلى تفاهمات قد تشملها الوساطة لإقناع الحوثيين بالكف عن قصف الموانئ النفطية الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية؛ ما تسبب في توقف تصدير النفط وما ترتب عليه من مضاعفة المشكلات الاقتصادية والإنسانية الصعبة.
من جهته، أشار وزير الخارجية اليمني إلى أنه وقَّع اليوم مع نظيره العراقي اتفاقاً للتشاور السياسي لم يتطرق إلى فحوى تفاصيله، لكنه أعرب عن أمل اليمن في أن ينعكس الاتفاق السعودي- الإيراني الأخير إيجاباً على الأوضاع في اليمن.
وأضاف: “منذ أكتوبر الماضي كانت هناك هدنة غير معلنة، ومن جانبنا كحكومة شرعية، ملتزمون ببنودها”، مردفاً “نعتقد بأن الوقت حان لإنهاء هذه الحرب في اليمن”، وشدد الوزير العراقي على دعم بلاده لاتفاق الرياض عام 2019 وجهود السعودية لجمع أطراف الصراع اليمني على طاولة حوار تفاوضية واستعداد بلاده لوساطة تكون فيها جزءاً من الحل هناك.
ودعا إلى التعاون مع بعثة عراقية تضم مسؤولين في وزارتي الخارجية والداخلية ستسافر إلى اليمن للاطلاع على أوضاع العراقيين المقيمين فيه وحل إشكالات وثائقهم وتجديد جوازات سفرهم، معرباً عن أمله في فتح سفارة العراق في صنعاء.
وفيما لم يفصح الجانبان عن تفاصيل اتفاق التشاور السياسي، توقع مراقبون أن يشمل تجديد الهدنة والشروع في تنفيذ التفاهمات المتعلقة بالجوانب الإنسانية التي ستصبح مقدمة لتفاهمات سياسية واعدة مثل دفع الرواتب وفتح مطار صنعاء والطرقات البرية بين المحافظات وفك حصار تعز وتوحيد قيمة العملة الوطنية وغيرها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وقَّع وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، مع نظيره العراقي حيان عبد الغني، اتفاقا يتضمن تزويد لبنان بـ3.5 مليون طن من النفط والوقود، ويتضمن الاتفاق تزويد لبنان بـ”مليوني طن” من النفط الخام، و1.5 مليون طن من الوقود لمدة عام؛ ما سيزيد ساعات التغذية بالطاقة الكهربائية.
وكان مجلس الوزراء العراقي قد وافق على تجديد اتفاقية تزويد لبنان بالوقود عاماً إضافياً، لتلبية احتياجاته من المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء هناك.
وبموجب الاتفاق الأول الموقع في شهر يوليو 2021، وسط الأزمة المالية المستمرة في لبنان، يزود العراق الحكومة اللبنانية بزيت الوقود الثقيل مقابل الخدمات، بما في ذلك الرعاية الصحية للعراقيين.
ويمتلك العراق احتياطيات وافرة من النفط والغاز الطبيعي، لكنه يعاني من نقص في الكهرباء؛ بسبب عقود من العقوبات والاحتلال والحرب الأميركية.
ويفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستغلال احتياطاته من الغاز، حيث يتم حرق كميات كبيرة كنفايات أثناء استخراج النفط في عملية تُعرف بالحرق.
وإهدار هذا الغاز يجعل العراق ينفق حوالي 4 مليارات دولار سنويًا على واردات الغاز الإيراني لإنتاج الكهرباء.
وواجه العراق انقطاعًا كبيرًا في التيار الكهربائي، في وقت سابق من هذا الشهر، وسط حرارة صيفية بلغت 50 درجة، عندما قطعت إيران إمدادات الغاز اللازمة لتوليد الكهرباء بسبب عدم الدفع.
ونظرا لسيطرة الولايات المتحدة على الأموال العراقية، تستطيع واشنطن منع المدفوعات العراقية لإيران مقابل الغاز الطبيعي؛ الأمر الذي يتطلب من المسؤولين العراقيين الحصول على إعفاءات من العقوبات قبل سداد أي مدفوعات، ولا يزال نحو 11 مليار دولار مخصصة لمدفوعات الغاز الإيراني في البنوك العراقية.
ويسعى المسؤولون الأميركيون إلى حرمان الجمهورية الإسلامية من الدولار الأميركي، العملة الأجنبية الأكثر استخدامًا في التجارة الخارجية، كجزء من نظام العقوبات الخاص بها.