مع كشف مخططات تنظيم الإخوان في عدة دول وخاصة أوروبا، والصفعات القوية التي تلقتها في المنطقة العربية، يبدو أن عهد سيطرته بها قد انتهى؛ إذ تتجه القارة العجوز لوقف أنشطة الجماعة الخفية واتخاذ موقف أوروبي شامل ضدها، إذ تحوّلت إلى ورقة سياسية ضد الدول العربية، واستطاعت التخادم مع الأحزاب الأوروبية، كما وثقت ارتباطها بالجماعات الجهادية، ومن ثَم كتابة نهايتها تماما.
وهو ما فندته دراسة حديثة لوحدة الدراسات والتقارير التابعة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، والتي اعتمدت على تلقي جماعة الإخوان المسلمين الكثير من الدعم والإعانات من الحكومات والمؤسسات الأوروبية الرسمية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتتعدد الأسباب وراء دعم الغرب لتنظيم الإخوان المسلمين؛ كاستغلال أجهزة الاستخبارات وتأثير تنظيم الإخوان المسلمين كورقة ضغط أو ورقة سياسية في الشرق الأوسط لشن حروب دعائية ونشر معلومات مضللة عن العديد من دول المنطقة أو كجهة للحصول على معلومات وبيانات عن تلك الدول لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية.
وكشف نظام الشفافية المالية لدى المفوضية الأوروبية أنّ الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو تلك التي تدور في فلكهم من قريب، قد خصص لها أكثر من 52 مليون يورو من الأموال العامة بشكل مباشر أو غير مباشر بين عامي 2007 و2020، وتلقت ما يقرب من 80 مليون يورو على شكل تمويل من الحكومات الأوروبية خلال العقد الماضي، في شكل تبرعات مُنحت لجماعات ذات صلات بجماعة الإخوان المسلمين من قِبل الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا ومختلف الحكومات الوطنية منذ عام 2004.
كما أثبتت الدراسة أنّ بريطانيا شكلت ملاذاً آمناً للإخوان، وأنّ علاقات وثيقة تربطها بالجماعة، لاسيّما أنّ الموقف البريطاني كان داعماً للإخوان المسلمين ومطالباً بإشراكهم في العملية السياسية في دول المنطقة والشرق الأوسط، لافتة إلى أنّها استغلت تأثير جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط لشن حروب نفسية ودعائية سرية على العديد من الدول، وكانت أجهزة الاستخبارات البريطانية تنشر منشورات باسم جماعة الإخوان المسلمين من نقاط توزيع مختلفة شملت دولاً عربية في إفريقيا وآسيا.
فيما شكلت بريطانيا وما زالت ملاذاً آمناً للعديد من قيادات التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين الموجودين في بريطانيا، وبعضهم يحمل الجنسية البريطانية؛ ما يعني امتداد حصانة القوانين البريطانية إليه، وتمتعهم بحرية التعبير والرأي هناك.
ولفتت الدراسة إلى تنامي التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وبعض أجهزة الاستخبارات خلال عام 2021، من خلال بث المعلومات التي يتم جمعها، عبر القنوات الفضائية التابعة لجماعة الإخوان لتحقيق خطة لإحداث اضطرابات سياسية داخل دول المنطقة عبر مراحل الإرباك والإنهاء والحسم.
وتورطت دول أوروبية في دعم قيادات جماعة الإخوان المسلمين وحثهم على تحريض الكونغرس على قطع المساعدات الأميركية عن بعض الدول بهدف تحقيق سياساته الإقليمية، انطلاقاً من واشنطن، وغالباً ما تلجأ الحكومات الأوروبية إلي الجمعيات والمنظمات من أجل برامج التوعية؛ ما يؤدي إلى إنفاق عام حسن النية يجد طريقه إلى جماعة الإخوان المسلمين وفروعها، لاسيّما أنّ هناك فروعاً للإخوان المسلمين في كل دولة أوروبية.
وأفادت الدراسة بأنّه بذلك يمكن للمال العام الذي يهدف إلى تعزيز الاندماج أو منع التطرف أن يجد طريقه إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك، تستمر بعض الدول الأوروبية في احتواء ودعم جماعة الإخوان المسلمين وعدم اتخاذ تدابير وإجراءات فعالة ضد التنظيم لعدة أسباب؛ أهمها عامل الاستفادة من الإخوان المسلمين في منظومة المعلومة، سواء داخل البلدان الغربية أو العربية أو الإسلامية.
وتابعت: إنّ الجماعة وفروعها حققت نجاحاً ملحوظاً جزئياً في أوروبا من خلال تشكيل تحالف مع اليسار السياسي في إيطاليا، وفي ألمانيا تبتعد جماعة الإخوان المسلمين عن الأجواء السياسية لكنّها تسعى لتعزيز العلاقات بالجهات السياسية الألمانية المختلفة، ومع أصحاب القرار في ألمانيا، بهدف توسيع نفوذها.
وتحاول جماعة الإخوان المسلمين العمل على التقرّب من الأحزاب والشخصيات السياسية وتعزيز حضورهم في المجتمعات الإسلامية الأوروبية من خلال المشروعات الاقتصادية والاجتماعية لصالح التنظيم الدولي.
وأوضحت الدراسة أن أعضاء التنظيم يحاولون تصوير أنفسهم كممثلين للمجتمع الإسلامي والجاليات المسلمة بأكملها في أوروبا، وهذا يعني أنّ الحكومات الأوروبية غالباً ما تلجأ إليهم من أجل برامج التوعية والاندماج.
واستطاعت جماعة الإخوان المسلمين السيطرة على المنظمات الدينية والرياضية والاجتماعية؛ ما منحها فرصاً للتحدث نيابة عن المسلمين والتقرب إلى الساسة وصانعي القرار الأوروبيين للضغط على الهيئات التنفيذية والتشريعية الأوروبية مثل المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي في محاولة للتأثير على السياسات والقوانين الأوروبية لتوسيع نفوذهم وتنفيذ أجندتهم.
وتلفت الدراسة إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين تتسلل إلى الأنظمة الديمقراطية في أوروبا لإيجاد مجتمع موازٍ قائم على أيديولوجية الإخوان المسلمين، وتعمل الجماعة في بروكسل لتعزيز رؤيتهم وتحقيق أجندتهم من خلال مجموعة من الهياكل والمؤسسات، وتقدم من خلالها برامجهم إلى موظفي الخدمة المدنية والبرلمانيين الأوروبيين، ويتم قبول منظمات جماعة الإخوان المسلمين من قِبل المؤسسات، إن لم تكن ممولة في إطار المشاريع الأوروبية.
كما سعى تنظيم الإخوان المسلمين باستمرار للتقرب إلى الأحزاب الألمانية لتوسيع نفوذه، ويأتي على رأس تلك الأحزاب حزب (الخضر) وحزب (اليسار) في ألمانيا. واحتمت تنظيمات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها الإخوان، بمواقف أحزاب اليسار، وتستغلها في تخفيف الضغوط الواقعة على الجماعة.
وتعمل جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا بنشاط للضغط على الهيئات التنفيذية والتشريعية الأوروبية مثل المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي في محاولة للتأثير على السياسات والقوانين الأوروبية التي تؤثر على المسلمين الأوروبيين.
وأكدت الدراسة أنّ الجمعيات المقربة من الإخوان المسلمين تستقطب بشكل متزايد لاجئين من البلدان لتجنيدهم من أجل تحقيق أهدافها في أوروبا، موضحة أنّ أفكار “الإخوان المسلمين” تلتقي بتوجهات الجماعات “الجهادية” في السعي للإمساك بالسلطة، ورغم التباين في الطروحات الفكرية بينهما فإنّ مصالح الإسلام السياسي تجمعهما، وهي إقامة “الخلافة الإسلامية”.
وأشارت إلى أنّ العديد من الدلائل كشف ارتباط (الإخوان المسلمين) في نقل العناصر والأموال إلى تنظيم (داعش) في سوريا وليبيا، وهو ما دفع أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلى التحذير من خطر (الإخوان) في خلق بيئة العنف التي تحركت على قاعدتها كل التنظيمات الجهادية المتطرفة.
وقد شكلت العلاقة الوطيدة بين جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة النواة الأساسية لتكوين قيادات أفغانستان والارتباط الوثيق بالعنف المطلق أبرزهم زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن الذي كان عضواً بجماعة الإخوان، وذلك بحسب رواية خليفته أيمن الظواهري، كما أنّ سفر عناصر القاعدة لأفغانستان ومن ضمنهم أيمن الظواهري، كان عبر هيئة الإغاثة الإنسانية لنقابة الأطباء بإشراف القيادي الإخواني كامل السنانيري.
واستوحى الظواهري الفكر المتشدد من أفكار سيد قطب، وهو زعيم إخواني متشدد أُعدم عام 1966 بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، وهو ما يعني أنّ العلاقة القوية التي تجمع التنظيمات الثلاثة، القاعدة وداعش والإخوان، ترى أنّ وجود أيّ منهم يمثل حماية للآخر وأقرب إليه، واستندت إلى فيديو سرّب من إحدى جلسات التحقيق مع قاضي تنظيم (داعش) في سرت فوزي العياط حقيقة ارتباط التنظيم بجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة، من خلال تسهيل وصولهم إلى سرت وتقديم دعم للتنظيم حين كان في مراحله الليبية الأولى، عندما كان يعرف بتنظيم أنصار الشريعة.
وتابعت: إنّ التنظيم في طوره الأول المعروف بأنصار الشريعة حظي بدعم كبير من قِبل جماعة الإخوان والجماعة المقاتلة، حيث صرفت لأعضاء التنظيم مرتبات شهرية بمعرفة رئيس اللجنة الأمنية في بنغازي محمد الغرابي، الذي عمل على ضم مقاتلي التنظيم رسمياً في وزارة الداخلية، كما أنّ وكيل وزارة الداخلية بحكومة المؤتمر وقتها الإخواني عمر الخضراوي دعم التنظيم بآليات عسكرية.