تصاعُد جديد مخيف في الأحداث بالسودان، حيث رفض الجيش السوداني، المشاركة في محادثات سلام إفريقية، فيما حذرت الأطراف الدولية من قرب دخول البلاد لحرب أهلية محتملة.
وقال مارتن غريفيث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: إن السودان يخوض حرباً أهلية “من أكثر الحروب ضراوة”، مضيفا: “ليس لدينا مكان، منتدى، حيث يمكن للطرفين التواجد.. حيث يمكننا التوسط في نوع الاتفاقات الأساسية التي نحتاجها لنقل الإمدادات والأشخاص”.
ووصف المسؤول الأممي السودان بأنه أصعب مكان في العالم بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني من حيث الوصول، محذراً من أن الأزمة ستتفاقم مع اتساع رقعة القتال ليشمل مناطق جديدة.
وجاءت تصريحات غريفيث فيما عقد قادة المنطقة اجتماعاً في إثيوبيا المجاورة لمحاول حل الأزمة، كما ستستضيف مصر زعماء من دول جوار السودان، الخميس المقبل، بحثاً عن السلام في السودان.
ورفض الجيش السوداني المشاركة في محادثات سلام إفريقية بهدف البحث عن حل للنزاع بينه وبين قوات “الدعم السريع” الذي يقترب من دخول شهره الرابع من دون أي أفق للتهدئة. ولم تفلح مبادرات عدة للوساطة في إيجاد أرضية لأي تفاهمات قد تثمر حلاً.
ومنذ بدء المعارك، أبرم طرفا القتال اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار بوساطة سعودية – أميركية.
وتقود الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد) مبادرة إقليمية عبر لجنة رباعية برئاسة كينيا تضم إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان. وكانت اللجنة ثلاثية برئاسة جنوب السودان، قبل أن تتوسع في يونيو بضم إثيوبيا، وترافقت تلك الخطوة مع نقل رئاسة اللجنة من جنوب السودان إلى كينيا، وهو ما لقي معارضة من الخرطوم.
وعقدت اللجنة الرباعية اجتماعاً، في أديس أبابا، غاب عنه عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو على رغم دعوتهما إليه. وأكد كل من طرفي النزاع إرسال ممثل عنه إلى أديس أبابا، إلا أن الحكومة المرتبطة بالبرهان أكدت أنها لن تشارك في الاجتماع ما لم تتم تلبية مطلبها بتغيير الرئاسة الكينية.
وقالت الخارجية السودانية في بيان: “وصل وفدنا بالفعل إلى أديس أبابا صباح اليوم؛ ما يؤكد جدية حكومة السودان للارتباط البناء والتواصل مع منظمات انتمائها الإقليمية”. وأضافت “للأسف، اتضح لوفدنا أن رئاسة اللجنة الرباعية لم يتم تغييرها، علماً أن حكومة السودان طالبت بتغيير رئاسة الرئيس وليام روتو رئيس جمهورية كينيا للجنة الرباعية”.
وكررت أن مطالبتها بذلك تعود إلى جملة أسباب منها “عدم حيادية السيد الرئيس روتو في الأزمة القائمة”.
وكانت الوزارة قد اعتبرت الشهر الماضي أن حكومة كينيا “تتبنى مواقف (الدعم السريع)، وتؤوي عناصرها وتقدم لهم مختلف أنواع الدعم”.
من جهتها، رأت قوات “الدعم السريع” أن المقاطعة كانت تصرفاً “غير مسؤول”. وأعربت في بيان عن استغرابها لمقاطعة الطرف الآخر للجلسة “بذرائع واهية غير موضوعية رغم وصوله لأديس أبابا”، معتبرة أن “هذا التصرف غير المسؤول يكشف بوضوح ما ظللنا نؤكده بأن هناك مراكز متعددة لاتخاذ القرار بداخلها (القوات المسلحة) تسعى إلى إطالة أمد الحرب وعرقلة المساعي الحميدة” من أجل التوصل إلى حل للنزاع.
وانتقدت الرباعية في بيان ختامي “الغياب المؤسف لوفد القوات المسلحة السودانية رغم دعوتها وتأكيد مشاركتها”، إلا أنها أكدت استمرارها في تركيز جهود “كل الأطراف على الوصول إلى عقد لقاء وجهاً لوجه بين قائدي الطرفين المتنازعين”.
ولم يلتقِ البرهان ودقلو منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل، وهو يوم كان من المقرر أن يشهد اجتماعاً بينهما بتسهيل من الأمم المتحدة.
ودعت الرباعية الطرفين إلى “توقيع اتفاق غير مشروط لوقف إطلاق النار”. وأعلنت أنها ستطلب من الاتحاد الإفريقي بحث إمكانية نشر “القوة الاحتياطية” لشرق إفريقيا “إيساف” التي عادةً ما يتم توكيلها بمهام مراقبة الانتخابات، في السودان بهدف “حماية المدنيين” وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
واعتبر مبارك أردول، وهو قائد سابق لإحدى مجموعات “التمرد” في السودان، ويعد مقرباً من الجيش، أن اجتماع أديس أبابا كان “فخاً للتدخل العسكري”. وأضاف عبر “تويتر” أن الحديث عن نشر قوات شرق إفريقيا هو “فصل آخر لاحتلال السودان بعدما فشلت ميليشيات التمرد في تحقيقه وانهزمت”.
وشهدت العاصمة الإثيوبية كذلك حضور مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية مولي في التي من المقرر أن تلتقي مسؤولين سودانيين وإقليميين.
ودعت المسؤولة الأميركية في بيان الأحد طرفي النزاع إلى “وقف المعارك فوراً”، مكررة “نداءات أطلقتها دول المنطقة للحيلولة دون أي تدخل أجنبي ودعم عسكري يعمق النزاع أو يطيل أمده”.
فيما أفاد سكان في الخرطوم، أمس الاثنين، بوقوع “قصف عبر مسيرات لمناطق في شرق أم درمان”، ضاحية غرب الخرطوم الكبرى، فيما تحدث آخرون عن “قصف جوي على منطقة المدينة الرياضية” في جنوب العاصمة، وعلى مسافة نحو 350 كيلومتراً جنوب العاصمة، تحدث شهود عيان بولاية شمال كردفان عن وقوع “اشتباكات غرب مدينة الأبيض” مركز الولاية.
وأفاد مصدر عسكري بقيام الجيش بـ”صد هجومين للحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو على مدينة الكرمك الحدودية بولاية النيل الأزرق”.
وفي ظل تواصل المعارك، مددت سلطة الطيران المدني إغلاق المجال الجوي السوداني حتى نهاية يوليو باستثناء “رحلات الإغاثة والإجلاء بعد الحصول على الإذن من السلطات المختصة”، وفق ما أعلنت في بيان أمس الاثنين.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل معارك بين الجيش بقيادة البرهان الذي يتولى أيضاً رئاسة مجلس السيادة، وقوات “الدعم السريع” بقيادة دقلو المعروف بـ”حميدتي”، وأودى النزاع بأكثر من 2800 شخص، ودفع أكثر من 2.8 مليون شخص للنزوح، لجأ أكثر من 600 ألف منهم إلى دول مجاورة، أبرزها مصر وتشاد، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
ويعاني من بقي من السكان الذين كان عددهم الإجمالي يقدر بزهاء 45 مليون نسمة قبل بدء المعارك نقص المواد الغذائية والخدمات ومصادر الطاقة، بينما تتوالى التقارير عن حالات نهب وعنف جنسي واحتدام الصراعات العرقية، خصوصاً في إقليم دارفور (غرب السودان).
وحذرت الأمم المتحدة في نهاية الأسبوع الماضي من أن السودان إحدى أكثر دول العالم فقراً حتى قبل اندلاع المعارك الراهنة، بات على شفير “حرب أهلية شاملة” ستطاول تداعياتها كل المنطقة.