تشهد العراق توترا بالأوضاع السياسية مجددا، والتي تتزامن مع قرب موعد الانتخابات المحلية، في ديسمبر المقبل؛ إذ بعد أول أزمة سياسية عاشتها حكومة “الإطار التنسيقي” برئاسة محمد شياع السوداني مع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في سياق إقرار الموازنة العامة للبلاد.
وتدخل القوى السنية الآن على خط المواجهة، مع حديث عن محاولات “انتقام” و”إزاحة” لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي تديرها التيارات الموالية لإيران، على خلفية دخوله ضمن “التحالف الثلاثي” برئاسة التيار الصدري قبل تشكيل الحكومة الحالية.
وكشفت مصادر سياسية عن أن ما يجري الآن كان متوقعاً ولا يخرج عن إطار “تنفيذ مجموعة من التهديدات” التي تعود إلى فترة ارتباط الحلبوسي بـ”التحالف الثلاثي”، مبينة أن الميليشيات تقف بشكل مباشر خلف ما يجري.
ويعزز الدعم الكبير الذي تبديه الجماعات الموالية لإيران خلال السنوات الأخيرة لشخصيات سنية معارضة للحلبوسي الاعتقاد أن ما يجري يمثل محاولة من قبل الميليشيات لإقصاء كتلة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، على رغم كون الأخير جزءاً من تحالف “إدارة الدولة” الحاكم.
وتعود الخلافات بين الحلبوسي والميليشيات الموالية لإيران إلى ما قبل تشكيل الحكومة الحالية، خصوصاً مع اشتباكات عدة حفزتها جماعات مسلحة على رأسها ميليشيات “كتائب حزب الله” في محافظة الأنبار، معقل رئيس البرلمان، في مسعى لتمكين شخصيات مقربة منها من المحافظة السنية، وبحسب مراقبين، تبدو “رغبة السوداني في البحث عن خصم يستطيع الاشتباك معه والانتصار عليه” محفزاً إضافياً لتلك الحملة، وفقا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
ولعل ما يعزز حديث المصادر السياسية هو حديث النائبة عن كتلة “تقدم” سميعة الغلاب التي قالت إن كتلاً سياسية كثيرة تعمل على استهداف “تقدم” من بينها “جهات لم تستطع تحقيق منجز على أرض الأنبار، لاسيما تلك التي ضمنت عدم عودتها إلى المشهد السياسي”. وأشارت الغلاب، في تصريح متلفز، إلى أن احتمال غياب الكتلة عن الحكومة بات “وارداً”، مبينة أن وزراء الكتلة “عبروا عن استعدادهم لتقديم استقالاتهم، فرئيس الوزراء همشهم”. ولفتت إلى أن كتلة “تقدم” تتلقى “عقاباً” على وقفتها مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و”الظلم الذي وقع على التيار الصدري وقع على المكون السني أيضاً”.
وشملت الحملة التي تديرها الحكومة لتغيير عدد كبير من المناصب العليا في الدولة عديداً من حلفاء الحلبوسي سواء في محافظة الأنبار أو خارجها، وتقول أطراف في كتلة “تقدم”: إن الاستهداف “شمل كل ممثلي الكتلة سواء في الحكومة المحلية في الأنبار أو الحكومة الاتحادية في بغداد، من خلال إبعادهم أو تقييدهم أو توجيه اتهامات لهم”.
وعلى بعد ساعات قليلة من تصعيد كتلة “تقدم” ضد حكومة “الإطار التنسيقي”، التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. وأشار بيان رئاسة الحكومة إلى أن اللقاء تضمن “البحث في سير تنفيذ البرنامج الحكومي”، ونقل البيان، في التاسع من يوليو، تأكيد الحلبوسي “دعمه الكامل للتغييرات التي تجريها الحكومة للقيادات الأمنية والإدارية والتي تندرج ضمن إطار رؤية الحكومة في الإصلاح الإداري الشامل”.
ولم تتوقف لقاءات الحلبوسي عند رئيس الحكومة؛ إذ التقى أيضاً رئيس “تيار الحكمة” والقيادي في “الإطار التنسيقي” عمار الحكيم، الأمر الذي يراه مراقبون محاولة من الحلبوسي لتأخير “القرار الإيراني في شأنه”.
وتتداول منصات الميليشيات الموالية لإيران بحماسة تصريحات للنائب السابق والمعارض للحلبوسي مشعان الجبوري قال فيها: إن “ذهاب محمد الحلبوسي للقاء الرئيس السوداني وإعلانه دعم إجراءات رئيس الحكومة في تغيير القيادات الأمنية والإدارية هدفه الظهور أمام جمهوره بأنه موافق على الإطاحة بأزلامه، يجب عدم القلق على بقية جماعته في إدارة الدولة”.
وأضاف في تغريدة على “تويتر”: أن الحلبوسي “فقد ستاً من أدواته في الأنبار خلال أسبوعين، إضافة إلى منصبين مهمين في بغداد هما صندوق الإعمار ونائب جهاز الأمن الوطني”، وتابع: إن “تقليم مخالبه سيستمر وسيغادر منصبه حتماً، وليس هذا فقط، سيذهب للسجن إن لم يهرب خارج العراق”.
ويرى مراقبون أن لقاء الحلبوسي والسوداني “محاولة مشتركة لتضليل الرأي العام في شأن طبيعة الصراع بينهما ومدى حدته”، وفي حين لا يرجح أن تنجح تلك المحاولة، أشار إلى أن ثمة احتمالاً بأن يكون “هناك تريث في شأن قرار التأميم بسبب الموقف الإيراني، ولكن قرار تقليم الأظافر مستمر وبشكل منهجي بانتظار حسم الموقف الإيراني من الحلبوسي”.
وعلى رغم محاولة التهدئة التي حصلت فإن التوتر ما زال يسود الموقف بين “الإطار التنسيقي” وكتلة “تقدم”؛ إذ تستمر منصات التيارات الموالية لإيران بإظهار مواقف متشددة إزاء الحلبوسي.
وفي مقابل الاتهامات لـ”الإطار التنسيقي” بالوقوف خلف محاولة تحجيم الدور السياسي لرئيس البرلمان، قال المتحدث باسم “المجلس الإسلامي الأعلى”، أحد أطراف “الإطار التنسيقي” علي الدفاعي، إن الحديث عن استهداف سياسي من قبل “الإطار” لكتلة “تقدم” بعيد من الواقع، مبيناً أن كل ما يقوم به رئيس الحكومة “يستند فيه إلى البرنامج الوزاري وما تعهد به من إجراء تقييمات مستمرة لحكومته وجميع الدرجات الخاصة والمسؤولين في الدولة بالنظر إلى أدائهم وانسجامهم مع خطط البرنامج الوزاري”.
وأضاف: “من جهة أخرى تحاول الحكومة ضخ دماء جديدة وإتاحة الفرصة للطاقات الشابة والجديدة لإعطاء ما لديها من جهود ورؤى في الإدارة سواء في الملف الأمني أو الخدمي”.
وفي شأن الاتهامات بأن ما يجري يمثل محاولة لإبعاد حزب “تقدم” عن المنافسة في الانتخابات المحلية المقبلة، أشار الدفاعي إلى أن “أي جهة لن تتمكن من إزاحة كتلة تقدم أو غيرها إذا كانت خياراً شعبياً”، مضيفاً “تعودنا أن نلمس مثل هذه الاتهامات مع اقتراب موعد الانتخابات من أجل الدعاية والتشويش على الرأي العام”.
ورأى مراقبون أن القوى الموالية لإيران تعتقد أن إفشال مساعي الحلبوسي في الفوز بالانتخابات المحلية المقبلة سيمثل بوابة بداية نهايته السياسية، وشغل تلك المساحة من قبل أطراف قريبة منها، فضلاً عن تفعيل الصراعات بين الأطراف السنية؛ ما يمكن القوى الموالية لإيران من السيطرة على الحراك السياسي السني كما كان يجري خلال السنوات الماضية.
ورغم تركيز البرنامج الحكومي على “إعادة هيكلة المناصب العليا في الدولة”، فإن رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري يرى أن طبيعة توجهات القوى المتشددة داخل “الإطار التنسيقي” تجاه الحلبوسي ربما تمثل “المحفز الأساس في محاولات تقويض نفوذه”. وأشار إلى أن ما يجري يعطي انطباعاً ببدء مرحلة “وقف تغول أطراف سياسية بينها الحلبوسي في مؤسسات الدولة”، مبيناً أن تزامن التغييرات الأخيرة مع دعم قوى سنية معارضة للحلبوسي يعزز هذا التصور.
ويبدو أن الدافع الرئيس في تحفيز هذه التحركات يتمثل بـ”القلق من تحقيق (كتلة تقدم) صعوداً في الانتخابات المحلية المقبلة”. ولفت الشمري إلى أن هذا الأمر هو الذي دفع قوى “الإطار التنسيقي” للسعي إلى منع كتلة رئيس البرلمان من “استخدام تلك المناصب في الحصول على مكاسب في الانتخابات المحلية”. وتابع أن كل التبريرات في شأن كون الحملة قد شملت الجميع “غير مقنعة” خصوصاً أنها استثنت عديداً من المحافظات الأخرى، فضلاً عن وجود ملفات فساد كثيرة على كتل أخرى لم يتم التطرق إليها.
وأشار إلى أن السوداني من خلال التحركات الأخيرة حقق مكسبين، يرتبط الأول بـ”إعطاء انطباع للرأي العام العراقي بأنه ماضٍ في محاربة الفساد وتنفيذ بنود البرنامج الحكومي”، أما الآخر فيتعلق بـ”تعزيز مكاسبه داخل الإطار التنسيقي”.
وذكر أن ما يجري مع كتلة “تقدم” يعزز مبدأ أن التحالف الحاكم “هش” وتم على أساس “الوصول إلى السلطة فقط من دون أي تفاهمات إستراتيجية”، مبيناً أن المرحلة المقبلة ستشهد “تفجراً أكبر في الصراعات التي تعيد تشكيل الخريطة السياسية”.