رغم تعريف الموقع لنفسه بأنه “موقع إخباري تفاعلي عربي مستقل؛ يعنى بالصحافة الإلكترونية والإعلام الرقمي، ويشجع الحوار وحرية التعبير”، فإنه يخالف كل مقاليد وأسس الصحافة ومهنيتها، لخدمة أغراض التنظيم الدولي للإخوان والدول الداعمة للإرهاب، التي تجعل من موقع “نون بوست” أداة لخدمة أجندتها وأهدافها الفاسدة السوداء.
تعتبر اللجان أو المنصات الإلكترونية أحد أبرز الوسائل التي تعتمد عليها جماعة الإخوان للتحريض ضد الدول الرافضة لإرهابها، لذا توظف الآلاف من شبابها المنضمين إليها في تدشين مواقع ممولة لنشر أكاذيبهم والتحريض على العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ تتولى مؤسسات مختلفة تنفيذ سياسات التنظيم الإرهابي، التي لم تعد تكتفي بنقل الوقائع والأحداث على شكل أخبار، إنما تعمل على التدخل في صياغتها وكيفية عرضها، وتدعيمها بالصور والمصادر والآراء، حتى تمنحها توجها معينا، ومصداقية تهدف إلى السيطرة، وتحويل الرأي العام إلى قوة ضاغطة، يمكن استخدامها من أصحاب المصالح المعنيين، لفرض سياسات ونتائج محددة.
يعتبر موقع نون بوست، صاحب نفس الشكل الذي كان يتخذه موقع الجزيرة توك، وانطلق في عام 2014، وتكون كادره من شباب منتمين لجماعة الإخوان المسلمين، بينما في خانته التعريفية “من نحن”، لا يُعرف عن مسؤوليه، أو موقع جغرافي محدد يعمل منه، لكنه يتحدث كونه يفتح الفرص للشباب حتى يعملوا معه وينشروا فيه، كما أنه يتحدث عن تركيزه على صحافة المواطن، ويقدم تحليلاتٍ سياسية عميقة، كما يشجع الحوار.
ويزعم الموقع أن توجهه بحسب قوله “لشرائح المجتمع العربي المختلفة، فيرصد أهم التطورات التي تهم المواطن العربي على تعدد اهتماماته وانتماءاته العرقية والدينية والمذهبية والسياسية”، لكن ذرائع النزاهة سرعان ما تتساقط أمام شيطنة الآخر وإرهاب الأيديولوجيا.
ويشتمل الموقع على عدة أقسام، هي: التقارير، الآراء، التحليلات، وقسم للمرئيات، وآخر للمدونات، وعند تصفح الموقع، ترى -على سبيل المثال لا الحصر- في قسم التقارير استهدافا لعدة دول آخرهم السعودية وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عبر تقرير بعنوان: “من منبوذ لشريك.. كيف يتحدى القائد السعودي التهديدات بعزله؟”، الذي يتناول جملة من المزاعم الواهية والافتراءات التي تسيء للحكم السعودي، وأيضا مقال رأي لكاتب سوداني معارض ممول يخفي توجهاته بعنوان: “لماذا يعمل الإعلام الإماراتي على غسل سمعة قوات الدعم السريع في السودان”، والذي بدوره يسعى لتشويه الدور الإماراتي المشهود له في السودان وجهودها الضخمة.
كما يخلو الموقع من الموضوعية في عرض المواد الصحفية للعاملين به الذين يصبون كامل أهدافهم على بند واحد وهو دعم الإخوان والدول الداعمة للإرهاب، وأيضا الإساءة لدول بعينها حتى وصل الأمر للمتاجرة بالأحداث والوقائع البارزة وعلى رأسها السودان؛ إذ يصفها في تقاريره وتحليلاته بـ”حرب الجنرالات”.
فضلا عن دعم الإخوان في مختلف الدول العربية، وعلى رأسها تونس؛ إذ يصف الأحداث فيها بالانقلاب والإطاحة بسلطة مجلس الشعب المنتخبة وهو ما يخالف الحقيقة تماما، وتصوير راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة بأنه قائد سياسي، ومن بين تلك الأمثلة؛ حوار أجراه “نون بوست” مع سمية الغنوشي بعنوان “أين وصلت قضية راشد الغنوشي”، والذي يزعم أن “قيس سعيّد هو الذي يصدر التعليمات، وهو الذي يتحكم في جهازَي البوليس والقضاء، وهو الذي يأمر النيابة العمومية فتطيع”، وفقا لما أورده، فضلا عن أنه يحاول استعطاف الرأي العام لأجل زعيم النهضة الإخواني، وفي تقرير آخر “زمن قيس سعيد.. المعتقلون السياسيون يضربون عن الطعام”.
أما قسم التحليلات في جانبه السياسي أيضاً، على المحور المعاكس للتحالف الإخواني، وأيضا تلميع صورة تركيا ومدح الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وذلك عبر عدة مواد منشورة؛ منها “استئناف فتح المعابر مع تركيا يعيد الأمل لمرضى السرطان السوريين”، و”الوطن الأزرق.. ماذا بعد تعهد أردوغان بحماية حقوق تركيا وحلفائها”، ولهذا الهدف أيضا خصص الموقع عددا من الفيديوهات لأجل تصريحات الوزراء الأتراك الجدد منهم إبراهيم قالن وحديثه عن العنصرية في المجتمعات، وأيضا حفيظة غاية أركان أول رئيسة للبنك المركزي التركي، وإبراز وصفها بأنها فتاة أنقرة المدهشة.
وفيما يخص الجانب التفاعلي، فرض الموقع عددا كبيرا من البانرات ورصد جمهوره، وردود أفعاله، وما يتأثر به من خلال طرح الموقع، وهو ما يمكن معرفته من خلال صفحة “نون بوست”، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، حيث تجد مجموعة “المواد” التي تعيد الصفحة نشرها من خلال الموقع، إضافةً إلى نشرها فيديوهات تفاعلية ومواضيع “إنفوغراف” منوعة، الجانب السياسي الراهن منها، يعمل على “اجتزاء بعض الوقائع” والتركيز على مهاجمة دول التحالف العربي بكل وضوح ودون مواربة.
وكمثال على ذلك، هو تدشينها مجموعة من البانرات للإساءة للرئيس السوري بشار الأسد ووالده وإبرازهما كداعمين للإرهاب الإقليمي والمشاريع الإيرانية بالبلاد، كما صور الموقع الانقلاب الحوثي على الحكم في اليمن “كثورة” ولم يتطرق إلى “ميليشيا الحوثي”، والدور الإيراني في اليمن، وخطر القوى التي تحمل مصالح “استعمارية” إن صح التعبير، ضد دول الخليج العربي؛ ما يخرجه عن منظومة القيم المهنية.
ولم يحقق الموقع رسالته التي تشجع الحوار وتبادل الآراء، ونبذ الطائفية. بل تجيء التعليقات غالباً في سياق “الهجوم على الجهة التي تهاجمها منشورات الصفحة”.
وكل ذلك يثبت أن الموقع لم يحقق أهدافه التي ذكرها في تعريفه، والتي لا تعد ولا تحصى من مخالفة المهنية وتظهر التوجه والدعم الإخواني إذ يمكن تركه للقارئ الذي بإمكانه تصفح الموقع والتنقل بين أقسامه، غير أن توظيف مواد الموقع، في الدفاع عن دول بعينها، دون توجيه أي نقد موضوعي لسياساتهم الداخلية أو الخارجية، مترافقاً مع شيطنة الآخر أياً كان، في حالِ كان مختلفاً مع هؤلاء. يعد تدخلاً مباشراً وغير نزيه، للسيطرة على رؤية المتلقي، وتوجيهه، حتى يظل محصورا ومحاصرا دوماً بين ثنائية الصديق والعدو، والخير والشر، بعيدا عن المنطق والوقائع عبر موقع “نون بوست”.