بعد فترة من التهديدات الواضحة، قررت الولايات المتحدة الأميركية تنفيذ وعيدها، بفرض عقوبات على جهات سودانية للضغط على طرفي الصراع الدائر لوقف القتال، بينما يتوقّع خبراء سودانيون أن تؤدي العقوبات لمزيد من المعارك والانتهاكات وتدهور الوضع المعيشي للبلاد.
وأعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية وقيود على التأشيرات “بحق الأطراف التي تمارس العنف”، وذلك بهدف تجفيف مصادر تمويل طرفي النزاع، أي الجيش وقوات الدعم السريع، وفق مسؤولين أميركيين.
وجاء ذلك بعدما علّق الجيش السوداني مشاركته في المحادثات التي ترعاها واشنطن والرياض لوقف إطلاق النار، متهما قوات الدعم السريع بعدم الالتزام، بينما أكدت الأخيرة دعمها للمبادرة السعودية الأميركية دون قيد أو شرط.
وتستهدف العقوبات الأميركية شركات في قطاعات الصناعة والدفاع والتسلح، بينها شركة “سودان ماستر تكنولوجي” التي تدعم الجيش، فيما لا تطال هذه العقوبات بشكل مباشر قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو.
وبالنسبة إلى قوات الدعم السريع، تطال العقوبات شركة الجنيد للمناجم التي تدير مناجم ذهب في إقليم دارفور، وتمول القوات المذكورة.
ومن ناحيته، أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن فرض العقوبات يأتي للرغبة في محاسبة المسؤولين عن تقويض السلام بعد عدم التزامهم بوقف إطلاق النار.
ومنذ بدء القتال في 15 أبريل وافق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على 12 هدنة، تم انتهاكها جميعا على الفور، آخرها الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة أسبوع بوساطة أميركية- سعودية.
وبعد فرض العقوبات، يرى خبراء أن الولايات المتحدة هي “طرف غير محايد” ويساوي بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة أن “السودان اعتاد العقوبات الأميركية منذ عشرات السنين”؛ وبالتالي “لا يوجد جديد” فيما يتعلق بتأثير ما أعلنته واشنطن عن العقوبات، فضلا عن أن تعليق الجيش مشاركته في المحادثات “سيشعل الاشتباكات والاقتتال من جديد”.
وتابعوا أن السودان يتجه لتوسع العمليات الحربية في العاصمة الخرطوم وعدة مدن: “الحرب قد تعود لمربع الأسابيع الأولى؛ ما يزيد تفاقم الحالة الإنسانية في البلاد التي تعاني أزمة غذاء كبيرة تتسع يوميا، والنظام الصحي انهار، ومدخرات المواطنين أوشكت على الانتهاء”.
بينما يرى مراقبون أنه سيكون للعقوبات “تأثير سريع” على طرفي النزاع، إذ إن “العقوبات جاءت ذكية وغير متعجلة”، ولم تكن “اقتصادية عامة على كل البلاد”، و”هذه أول مرة نرى مثل تلك العقوبات تجاه السودان، فلا يمكن التنبؤ حاليا بآثارها أو تأثيرها”.
وأكدوا أن قوات الدعم السريع تقع عليها مسؤولية “خروقات الهدنة”؛ بينما كان الجيش “مجبرا” على الرد، ثم تعليق مشاركته في محادثات جدة، بينما الجيش من جانبه يعمل الآن على “تطهير” منازل المواطنين أو المستشفيات من هذه القوات التي “تحتل” حاليا 29 مستشفى في الخرطوم.
كما أنه “من الواضح أن الوسطاء لم يستطيعوا الضغط على الدعم السريع لتنفيذ الالتزامات والخروج من المستشفيات ومنازل المواطنين وإيقاف عمليات السلب والنهب في الطرق، سواء للسيارات أو الأموال داخل البنوك والأسواق”.
وبحسب منظمة اليونيسف يحتاج أكثر من 13.6 مليون طفل إلى مساعدات إنسانية في السودان، بينهم “620 ألفا يعانون سوء التغذية الحاد”، وفر أكثر من مليون شخص إلى أماكن آمنة داخل البلاد أو إلى خارجها، بينهم 350 ألفا إلى دول الجوار، نصفهم إلى مصر والآخرون إلى تشاد وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا.
واندلع القتال في 15 أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”. وقتل الصراع 863 مدنيا على الأقل، من بينهم نحو 190 طفلا، وأصاب أكثر من 3530 آخرين، وفقا لأحدث إحصائيات من نقابة الأطباء السودانية.
وأدى القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى انهيار القانون والنظام مع تفشي أعمال النهب التي يتبادل الطرفان اللوم بشأنها، وتتناقص مخزونات المواد الغذائية والنقدية والاحتياجات الضرورية سريعا.
ويذكر أن هذا النزاع المسلح دفع الملايين إلى النزوح واللجوء، فيما تتخوف الأمم المتحدة من أن يمتد فتيل الأزمة إلى دول الجوار، لا سيما بعد أن فشلت عدة هدن سابقة في الاستمرار.
وأفادت الأمم المتحدة بأنها تلقت تقارير عن وقوع “أعمال عنف مروعة على أساس الجنس” في السودان في غمرة البحث عن الإمدادات الغذائية بسبب المعارك الضارية في أنحاء البلاد.
وأوضحت أن أكثر من نصف سكان السودان البالغ عددهم 46 مليونا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، وأطلقت نداء لجمع ثلاثة مليارات دولار لتمويل المساعدات، وأبلغت مجموعات غير حكومية سودانية عن وقوع مثل هذه الحوادث وسط أعمال الفوضى والنهب في الخرطوم.