يبدو أن حزب الله يعيش اليوم واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخه السياسي والعسكري، مع تصاعد التوترات الإقليمية وتآكل رصيده الشعبي داخل لبنان.
وبعد شهور من الضربات الإسرائيلية المكثفة جنوبًا، ومع تعثر الحكومة اللبنانية في احتواء الأزمة الاقتصادية، يجد الحزب نفسه عالقًا بين ضغوط الداخل ومقتضيات المواجهة مع إسرائيل.
خطاب نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، الأخير، لم يكن مجرد مناسبة رمزية في “يوم الشهيد”، بل جاء كمحاولة لإعادة ضبط الإيقاع الداخلي وتبريد التوتر بين جناحين، أحدهما يدفع نحو التصعيد، والآخر يدرك أن الحرب الشاملة لم تعد خيارًا ممكنًا في ظل الانهاك العسكري والسياسي الذي يعيشه لبنان.
إعادة التموضع العسكري بدعم إيراني
خلف الكواليس، يعمل الحزب على إعادة بناء قدراته الميدانية عبر عمليات إعادة هيكلة وتجنيد موسعة، التمويل الإيراني، الذي تضاعف منذ مطلع العام، ساعد الحزب في ترميم ترسانته الصاروخية وتعويض الخسائر البشرية واللوجستية الناتجة عن الغارات الإسرائيلية المتكررة.
كما وُجهت جهود كبيرة نحو تطوير خطوط الإنتاج المحلي وتصنيع بعض الأسلحة داخل الأراضي اللبنانية، لتقليل الاعتماد على خطوط الإمداد القادمة من سوريا، ومع ذلك، تبقى الهشاشة واضحة في بعض القطاعات، خاصة في منظومات الدفاع الجوي التي استهدفتها إسرائيل بشكل مباشر.
ساحة داخلية مضطربة
لكن معركة الحزب الأصعب لا تدور على الجبهات، بل داخل بيئته الحاضنة، فمع تدهور الأوضاع المعيشية، باتت أصوات الاعتراض داخل الشارع الشيعي أكثر وضوحًا، مطالبة بإعادة النظر في أولويات الحزب السياسية والعسكرية.
الرسائل التي وجهها الحزب مؤخرًا إلى نبيه بري ونجيب ميقاتي، والتي أكد فيها تمسكه بخيار المقاومة ورفض التفاوض، لم تقنع الكثيرين داخل لبنان ممن يرون أن التهدئة والحوار باتا ضرورة وطنية لا تقل أهمية عن المقاومة نفسها.
ارتباط أيديولوجي واقتصادي متجذر
وتعتمد علاقة حزب الله بطهران على مزيج من الالتزام الأيديولوجي والمصالح الاقتصادية، فإيران لا تكتفي بالدعم المالي، بل تواصل ترسيخ حضورها الفكري عبر مؤسسات دينية وثقافية تعمل على تجديد الولاء العقائدي للحزب.
احتفال بيروت الأخير بإطلاق النسخة العربية من كتاب المرشد الإيراني علي خامنئي لم يكن فعلاً ثقافيًا فحسب، بل رسالة رمزية لتأكيد استمرار الهيمنة الفكرية الإيرانية على القرار داخل الحزب، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى التمويل الخارجي.
بين المواجهة والمأزق السياسي
وفي إسرائيل، تقرأ تحركات الحزب بدقة. فتل أبيب تدرك أن حزب الله اليوم أكثر حذرًا وأقل قدرة على خوض مواجهة مفتوحة، لكنها في الوقت نفسه تعتبر أن أي تراجع لبيروت عن مقاومته سيكون مكسبًا استراتيجيًا طويل الأمد.
ويرى بعض المراقبين، أن المرحلة المقبلة ستشهد انتقالًا في المواجهة من الميدان العسكري إلى حرب ناعمة تستهدف نفوذ الحزب الاجتماعي والاقتصادي، عبر مشاريع تنموية بديلة تسعى لتقويض اعتمادية المجتمع الجنوبي عليه.
تتجه الأنظار إلى الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقررة في مايو 2026، والتي ينتظر أن تكون اختبارًا حاسمًا لمكانة حزب الله في الشارع اللبناني.
وبينما يحاول الحزب إعادة ترميم صورته كمقاومة وطنية، يبدو أنه مضطر لتقديم تنازلات سياسية أكبر للحفاظ على تحالفاته في الداخل.

