تشهد بريطانيا واحدة من أكثر الفضائح القضائية إثارة للجدل خلال السنوات الأخيرة، بعدما تبيَّن أن العشرات من السجناء أُطلِق سراحهم عن طريق الخطأ، في سلسلة من الأخطاء الإدارية التي كشفت عن ثغرات عميقة داخل منظومة العدالة البريطانية، ووضعت حكومة رئيس الوزراء في مرمى الانتقادات والاتهامات بالإهمال وسوء الإدارة.
ضغوط سياسية متصاعدة
تزايدت الضغوط على الحكومة البريطانية بعد اعتراف وزارة العدل بإفراجها بالخطأ عن أكثر من 90 سجينًا خلال الأشهر الماضية، وهو رقم وصفه مراقبون بأنه “صادم وغير مسبوق”، ويعكس حجم الفوضى التي تعيشها المؤسسات العقابية في البلاد.
وقد فجَّرت الحادثة جدلًا سياسيًا واسعًا داخل البرلمان، حيث طالب نواب المعارضة بإجراء مراجعة شاملة لنظام إدارة السجون وإصلاح آليات المتابعة الإلكترونية للمحكومين، فيما حاولت الحكومة تهدئة الغضب الشعبي بالتعهد بفتح تحقيقات عاجلة حول أسباب الخطأ وكيفية تكراره بهذا الشكل اللافت.
خلل إداري أم أزمة بنيوية؟
رغم أن وزارة العدل سارعت إلى وصف ما حدث بأنه “أخطاء فردية ناتجة عن سوء التواصل بين الجهات القضائية”، فإن حجم وعدد الحالات كشف أن الأمر يتجاوز مجرد خلل إداري.
وتؤكد أرقام رسمية أن معدل الأخطاء في الإفراج تضاعف أكثر من الضعف خلال عام واحد، ما أثار الشكوك حول وجود أزمة بنيوية في إدارة السجون، سواء من حيث نقص الكوادر أو ضعف الأنظمة الرقمية المعتمدة في تتبّع قضايا السجناء.
وتشير تقارير حكومية سابقة إلى أن نظام العدالة البريطاني يعاني منذ سنوات من تراجع التمويل، مما أدى إلى تقليص عدد الموظفين وزيادة الضغط على الكوادر المتبقية، وهو ما يفتح الباب أمام أخطاء متكررة ذات طابع كارثي.
تبعات أمنية مقلقة
أخطر ما في القضية أن عددًا من السجناء المفرج عنهم بالخطأ محكومون في قضايا عنف وجنايات جنسية، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية في حالة استنفار لتعقّب الفارّين وإعادتهم إلى السجون.
ودفعت هذه التطورات الشرطة إلى إطلاق حملات مطاردة موسَّعة في عدة مناطق، وسط حالة من القلق لدى المواطنين الذين تساءلوا عن مدى قدرة النظام القضائي على حمايتهم وضمان عدم تكرار مثل هذه الأخطاء مستقبلًا.
في المقابل، حاولت وزارة العدل طمأنة الرأي العام بالإشارة إلى أن معظم المفرج عنهم تمت إعادتهم، فيما لا يزال عدد محدود منهم طليقًا، وتُبذل الجهود لتعقّبهم.
الحكومة في مأزق
تأتي هذه الفضيحة في وقت حساس للحكومة البريطانية، التي تواجه بالفعل انتقادات بشأن ارتفاع معدلات الجريمة وأزمة الاكتظاظ في السجون، إلى جانب أزمات اقتصادية متفاقمة.
ويرى محللون أن الأزمة الحالية قد تترك أثرًا سياسيًا بالغًا على شعبية الحكومة، خصوصًا مع تصاعد المطالبات بإصلاح شامل لمنظومة العدالة والسجون، ومساءلة المسؤولين عن الإهمال الذي أدى إلى هذا الخلل الخطير.
وتسلّط هذه الفضيحة الضوء على الحاجة الماسّة إلى تحديث البنية الإدارية للسجون البريطانية، وتطوير نظم المراقبة الإلكترونية وتبادل المعلومات بين المؤسسات القضائية.
كما أنها تعيد طرح التساؤلات حول أولويات الإنفاق الحكومي في ظل تقليص ميزانية العدل لصالح ملفات أخرى، الأمر الذي بات يهدد سلامة النظام القضائي بأكمله.

