في تحدٍّ واضح للعقوبات الغربية، كشفت وزارة الخزانة الأميركية أن إيران تمكنت من تحويل نحو مليار دولار إلى “حزب الله” خلال عام 2025، في وقت تواجه فيه طهران واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها الحديث.
وأفاد وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي بأن هذا التمويل الضخم يثبت أن إيران “ما زالت تستخدم مواردها المحدودة لترسيخ نفوذها الإقليمي عبر وكلائها المسلحين”، رغم سياسة الضغوط القصوى التي تفرضها واشنطن عليها منذ سنوات.
وقال هيرلي في مقابلة أُجريت معه خلال جولته في الشرق الأوسط إن الولايات المتحدة ترى فرصة سانحة في لبنان لقطع شريان التمويل الإيراني عن الحزب، مؤكداً أن وقف تدفق الأموال هو الخطوة الأولى نحو تفكيك منظومة النفوذ الإيراني في البلاد.
واشنطن.. لحظة حاسمة في لبنان
تعتبر الإدارة الأميركية أن الانهيار الاقتصادي في لبنان وتراجع القدرات العسكرية لـ”حزب الله” نتيجة الضربات الإسرائيلية المتكررة، يوفران فرصة غير مسبوقة للضغط على الحزب من أجل التخلي عن سلاحه.
وأوضح هيرلي أن الشعب اللبناني يستحق أن يعيش في دولة لا تهيمن عليها ميليشيا مسلحة، مشيراً إلى أن المفتاح لتحقيق ذلك هو تجفيف منابع التمويل التي تضخها طهران منذ عقود.
وفي الأسبوع الماضي، فرضت واشنطن عقوبات جديدة على شخصين متهمين بإدارة شبكة تحويلات مالية استخدمت لتوفير التمويل للحزب، ضمن حملة تستهدف البنية المالية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
طهران تتجاوز العزلة الدولية
من جهتها، واصلت إيران الالتفاف على العقوبات عبر تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع روسيا والصين وعدد من الدول الإقليمية، بعد انهيار المفاوضات النووية في سبتمبر الماضي، ما أدى إلى إعادة فرض عقوبات أممية مشددة عليها.
ويؤكد مراقبون أن طهران باتت تستخدم مسارات مالية موازية وعمليات تبادل تجاري غير رسمية لتمويل حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم “حزب الله”، الذي يُعد ذراعها الأبرز في المشرق العربي.
ورغم الأزمة الخانقة التي تضرب الاقتصاد الإيراني، فإن النظام في طهران يرى في دعم الحزب استثماراً استراتيجياً يحافظ على نفوذه السياسي والعسكري في لبنان، ويمنحه ورقة ضغط قوية في مواجهة إسرائيل والغرب.
إسرائيل تراقب وترد ميدانياً
تزامناً مع هذه التطورات، تكثف إسرائيل عملياتها العسكرية في الجنوب اللبناني، مؤكدة أن الحزب يسعى لإعادة بناء قدراته بعد الخسائر الفادحة التي لحقت به في العام الماضي.
وتشن القوات الإسرائيلية غارات شبه يومية تستهدف مواقع تقول إنها مخازن أسلحة أو مراكز قيادة تابعة لحزب الله، بينما تواصل الضغط السياسي على بيروت لتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تنص على نزع سلاح كل الفصائل المسلحة خارج سلطة الدولة.
ورغم التزام الحكومة اللبنانية بتلك القرارات على الورق، إلا أن واقع الميدان يعكس نفوذاً متزايداً للحزب داخل المؤسسات الأمنية والسياسية، ما يجعل عملية نزع سلاحه أقرب إلى المستحيل في المدى المنظور.
نقطة التقاء بين الضغط والعقيدة
يؤكد محللون أن ضخ مليار دولار لحزب الله هذا العام يحمل دلالات تتجاوز الجانب المالي، فهو رسالة سياسية من طهران بأنها قادرة على تجاوز الحصار، وأن مشروعها الإقليمي لا يزال قائماً رغم الضغوط الغربية.
أما واشنطن، فترى أن اللحظة الراهنة تشكّل اختباراً حاسماً لفاعلية استراتيجيتها ضد إيران، فإما أن تنجح في عزل الحزب مالياً، أو تجد نفسها أمام واقع جديد تتراجع فيه هيبتها في منطقة لا تزال تموج بالتحولات.

