في ظل هدنة هشة وواقع متوتر يتأرجح بين الهدوء الحذر والانفجار الوشيك، تدخل غزة مرحلة جديدة من إدارة الصراع، مع تسريبات حول “قواعد اشتباك” وضعتها واشنطن بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، في محاولة لإعادة رسم ملامح المواجهة داخل القطاع، والتحكم في حدود النار والسيطرة الميدانية.
هيكل ميداني أمريكي لإدارة العمليات
التحركات الأمريكية الأخيرة لم تعد مقتصرة على البيانات السياسية، بل تجاوزت ذلك إلى إنشاء مركز ميداني فعلي يشرف على إدارة التنسيق المدني والعسكري في جنوب إسرائيل، بإشراف القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”.
هذا المركز، الذي يضم مئات الجنود الأمريكيين، يعد الذراع التنفيذية لخطة أمريكية شاملة لإعادة هيكلة الوضع الأمني في القطاع ضمن ما يعرف بخطة “الاستقرار”، والتي تتضمن مراقبة دقيقة لحركة القوات الإسرائيلية وضبط مستوى الاشتباك الميداني.
غزة بين منطقتين.. الخضراء والحمراء
وفقًا للمعلومات المتداولة، قسمت واشنطن القطاع إلى منطقتين: “خضراء” و”حمراء”، المنطقة الخضراء تقع شرقي ما يسمى “الخط الأصفر”، وتخضع لسيطرة إسرائيلية ميدانية شبه كاملة، حيث يسمح فيها بإطلاق النار والتحرك العسكري دون قيود تُذكر، بذريعة حماية القوات ومنع عودة عناصر المقاومة.
أما المنطقة الحمراء، التي تضم النسبة الأكبر من مساحة القطاع وتخضع لوجود حماس وفصائل المقاومة، فقد فرضت عليها قيود مشددة، إذ لا يسمح بتنفيذ أي عمليات هجومية فيها دون إذن مباشر من القيادة الأمريكية المشرفة.
حدود نار مرسومة مسبقًا
المعادلة الجديدة تعيد تعريف مفهوم “حرية الحركة” للجيش الإسرائيلي داخل غزة، إذ باتت العمليات مرهونة بإذن أمريكي في مناطق محددة، ما يعكس رغبة واشنطن في تجنب أي تصعيد قد يؤدي لانهيار الهدنة أو جر المنطقة إلى مواجهة أوسع.
في المقابل، يرى مراقبون أن هذه القواعد تشكل سابقة في تاريخ الصراع، حيث تصبح الجبهات الميدانية تحت إدارة غير مباشرة من قوة أجنبية تتحكم في قرار إطلاق النار، بما يعني أن واشنطن باتت شريكًا فعليًا في إدارة النار لا مجرد وسيط دبلوماسي.
غزة على حافة الانفجار
تبدل قواعد الاشتباك لا يعني بالضرورة تثبيت الاستقرار، بل قد يكون مقدمة لمرحلة أكثر تعقيدًا، فالفصائل المسلحة تعتبر هذه الترتيبات محاولة لتكريس الاحتلال والسيطرة الأمريكية على تفاصيل المعركة، بينما يرى الشارع الغزي أن ما يحدث ليس إلا مرحلة جديدة من الوصاية على القطاع.
ومع استمرار التحشيد الميداني الإسرائيلي، وتزايد الضغوط الإنسانية والسياسية، تبدو غزة اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما انفجار شامل يعيد الصراع إلى نقطة الصفر، أو هدنة مُراقبة تُدار بالنار وتُحكم بالقواعد الأمريكية.

