أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” تحذيرًا صارخًا من أن قطاع غزة يُواجه خطر فقدان جيلٍ كامل من الأطفال، مع الانهيار شبه الكامل للبنية التعليمية بعد عامين من الحرب المتواصلة.
بين مدارس تحولت إلى أنقاض، وأخرى باتت مأوى لعشرات الآلاف من النازحين، يجد أكثر من مليون طفل أنفسهم اليوم بلا صفوف ولا كتب ولا مقاعد دراسية، في مشهد يختزل انهيار أحد أهم ركائز الحياة المدنية في القطاع.
ورغم الهدوء النسبي الذي تبع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر الجاري، فإن المشهد التعليمي في غزة لا يزال في حالة شلل تام، وسط تقديرات تفيد بأن 85% من المدارس تضررت كليًا أو جزئيًا، فيما تحولت ما تبقى منها إلى ملاجئ مكتظة لا تصلح للتعليم أو الإقامة.
ثلاث سنوات بلا تعليم
وتحذر اليونيسف من أن استمرار توقف التعليم في غزة للعام الثالث على التوالي يعني ببساطة “ضياع جيل كامل”، فالأطفال الذين كان من المفترض أن يكونوا في صفوفهم الدراسية يعيشون اليوم حالة من التيه، لا مستقبل أكاديمي يلوح في الأفق، ولا بيئة آمنة تسمح لهم بالتعلم أو حتى باللعب.
وتؤكد المنظمة أن العام الدراسي الجديد كان يفترض أن يبدأ في فبراير المقبل، لكن غياب البنية التحتية وانعدام المواد التعليمية وندرة الكوادر التربوية تجعل من ذلك حلمًا بعيد المنال.
بينما يتمكن جزء بسيط من الأطفال من الالتحاق بمراكز تعليمية مؤقتة تديرها منظمات إغاثية، يبقى خمسة من كل ستة أطفال خارج النظام التعليمي بالكامل.
التعليم.. ضحية الحرب الطويلة
تعد أزمة التعليم في غزة واحدة من أخطر تداعيات الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023، فإلى جانب الدمار المادي الهائل الذي أصاب المدارس والجامعات، تسببت الحرب في مقتل نحو 20 ألف طالب وطالبة، وفق بيانات وزارة التعليم الفلسطينية، فضلًا عن فقدان مئات المعلمين والمشرفين التربويين.
كما يعاني القطاع من نقص حاد في المواد التعليمية، بعد تقييد دخول الشحنات الإنسانية التي تتضمن الكتب والقرطاسية ومواد البناء اللازمة لإعادة تأهيل الفصول.
حتى محاولة إنشاء صفوف مؤقتة تصطدم بغياب المواد الأساسية مثل الأسمنت والخشب، ما يجعل من فكرة العودة إلى مقاعد الدراسة شبه مستحيلة في الوقت الراهن.
جيل بلا أمل
تقول تقارير ميدانية إن الأطفال في غزة لم يعودوا قادرين على تمييز مفهوم “المدرسة” بعدما تحولت معظمها إلى خيام أو أطلال، فبدلًا من الحروف والدفاتر، أصبحت المفردات اليومية تدور حول الملاجئ والطوابير والغذاء والماء.
وتحذر اليونيسف من أن هذا الانقطاع المستمر عن التعليم لا يهدد فقط مستقبل الأطفال، بل يمس النسيج الاجتماعي والاقتصادي للقطاع بأكمله، إذ يفقد المجتمع أحد أهم أدوات النهوض وإعادة البناء، فـ”الغذاء مسألة بقاء، أما التعليم فهو الأمل”، كما تقول المنظمة في بياناتها الأخيرة.
أمل هش في ظل العجز الدولي
ورغم الجهود المحدودة التي تبذلها منظمات الإغاثة الدولية لإنشاء مراكز تعليم مؤقتة، فإن الأزمة تبدو أعمق من أن تحل بتدخلات آنية.
الأمر يتطلب مشروعاً دولياً واسع النطاق لإعادة بناء المدارس وتأهيل المعلمين وتأمين الموارد التعليمية، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الحصار المفروض واستمرار التوترات الأمنية.

