في منعطف دقيق من تاريخها الحديث، تحاول سوريا أن تعيد رسم ملامحها السياسية والأمنية تحت عنوان “سوريا الجديدة”.
الرئيس الحالي لسوريا أحمد الشرع يقدم نفسه باعتباره قائد مرحلة انتقالية، يسعى إلى إغلاق أبواب الماضي بكل ما حمله من أيديولوجيات وانقسامات، وفتح صفحة جديدة مع الداخل والخارج، لكن ما بين التطلعات المعلنة والتحديات الماثلة، تبقى الطرق محفوفة بالعقبات.
طي صفحة الأيديولوجيات القديمة
منذ اللحظة الأولى، يسعى الشرع إلى قطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة ربط سوريا بتجارب الربيع العربي أو الحركات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان.
خطابه يستند إلى فكرة أن الدولة السورية لن تكون رهينة شعارات عابرة للحدود، بل مشروع وطني يقوم على السيادة والهوية الجامعة، وهذه المقاربة تحمل رسائل ضمنية للمجتمع السوري بأن المرحلة المقبلة لا مكان فيها للانقسام الأيديولوجي أو الديني.
وحدة الدولة خط أحمر
التحدي الأكبر أمام القيادة السورية يتمثل في ملف الوحدة الوطنية، فمع بروز أصوات جنوبية تنادي بالانفصال، خصوصًا داخل الطائفة الدرزية، كان رد الشرع قاطعًا: “لا محاصصة ولا انفصال”.
هذا التشديد ليس مجرد خطاب سياسي، بل محاولة لتكريس قاعدة مفادها أن أي مشروع لـ”سوريا الجديدة” لن يكون قائمًا على تقسيم النفوذ أو المكونات، بل على دولة مركزية تحتكم للقانون.
إسرائيل على الطاولة.. معادلة السيادة والأمن
الإعلان عن مفاوضات أمنية متقدمة مع إسرائيل مثّل المفاجأة الأكبر، فدمشق تلمح إلى تسوية تقوم على إعادة تفعيل خط الهدنة لعام 1974، مقابل وعود بمساعدات لإعادة الإعمار ونزع السلاح من مناطق محددة.
هذه المعادلة تضع سوريا أمام سؤال جوهري، “هل يمكن تحقيق السلام من دون المساس بالسيادة؟” فقبول قيود على نشر الدفاعات الجوية أو الأسلحة الاستراتيجية قد يفتح باب الانفتاح الاقتصادي، لكنه يترك ثغرات أمنية لا يمكن تجاهلها.
عقدة السويداء.. الداخل يتقاطع مع الخارج
في موازاة التحديات الخارجية، يشكّل ملف السويداء نقطة اختبار حساسة، الدعوات المحلية لإقامة كيان مستقل تلتقي مع تقارير عن تدخلات إسرائيلية متزايدة في الجنوب.
وتتشابك الأوراق بين الداخل والخارج، ليصبح الحفاظ على وحدة الجغرافيا السورية معركة سياسية وأمنية في آن واحد، الشرع، من جهته، يحاول أن يربط كل المساعدات والاتفاقات بمرجعية دمشق وحدها، لتفادي تكريس أي نموذج شبيه بالمناطق المنفصلة.
الدور الأميركي والغطاء الدولي
الوساطة الأميركية، عبر مبعوثين خاصين، تضيف بعدًا آخر للمعادلة، فواشنطن تعرض تسوية أمنية مقابل التزامات سورية صارمة، بينما يربط المجتمع الدولي المساعدات الاقتصادية بمدى التزام دمشق بالاتفاق.
هذا الحضور الدولي يعكس حقيقة أن مستقبل سوريا لن يُحسم فقط بإرادتها الداخلية، بل بتوازنات إقليمية ودولية معقّدة.
بين التطلعات والتحديات
يحاول الشرع أن يقدم سوريا في ثوب جديد، دولة براغماتية منفتحة على التسويات، لكنها متمسكة بالسيادة، هذه الصورة تبدو جذابة في الخطاب السياسي، لكنها في الواقع تواجه شبكة متداخلة من الأزمات، اقتصادية خانقة، اجتماعية متصدعة، وأمنية ما تزال مرهونة لمعادلات إقليمية.