أثار البيان الأول لجماعة الإخوان الإرهابية في سوريا، بعد ثمانية أشهر من سقوط نظام بشار الأسد، حالة من الجدل الواسع في الأوساط السياسية والشعبية.
التوقيت الذي جاء فيه البيان تزامن مع رفض السلطات الجديدة السماح للجماعة بفتح مقار رسمية داخل البلاد، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشرًا على استمرار الأزمة بين السلطة الجديدة والتنظيم التاريخي.
رفض رسمي وتمسك بالحظر
رغم محاولات الجماعة تقديم نفسها كفاعل منفتح على العهد الجديد ومؤتمراته، فإن السلطة تمسكت بقرار الحظر المستند إلى القانون رقم (49) لعام 1980، الذي يجرم الانتماء إلى الإخوان المسلمين.
الرئيس السوري أحمد الشرع شدد على أنّ الظروف السياسية والقانونية لا تسمح بعودة الجماعة إلى النشاط العلني، وهو ما شكل صفعة لمساعيها للاندماج من جديد في الحياة السياسية السورية.
خطاب جديد بملامح قديمة
في مواجهة هذا الرفض، لجأ الإخوان إلى إصدار بيان حمل صيغة “الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية”، ورغم أن الخطاب بدا أقرب إلى محاولة لإظهار الاعتدال والانفتاح، فإن كثيرين قرأوه كإعادة تدوير للغة قديمة بوجه جديد، فالجماعة حرصت على التمايز عن قوى أخرى مثل هيئة تحرير الشام، مع محاولة الظهور كبديل سياسي أكثر مرونة.
رسائل إلى الخارج والداخل
البيان حمل أيضاً إشارات متعددة إلى قوى إقليمية ودولية، من خلال توجيه الشكر إلى تركيا وقطر والسعودية والأردن، وهو ما فهم كمسعى لفتح قنوات تواصل مع هذه العواصم.
كما حرص الإخوان على التأكيد على استقلالهم عن التنظيم العالمي، في محاولة لتخفيف المخاوف الدولية من ارتباطهم بشبكات عابرة للحدود، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة لتصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي على المستوى الدولي.
مناورة أم إعادة تموضع؟
الجدل حول البيان لم يتوقف عند مضمونه فقط، بل تعدى إلى دلالاته السياسية. فالبعض اعتبره محاولة تمويهية للحفاظ على مكانة الجماعة في المشهد، دون تقديم خطوات عملية أو تغييرات هيكلية.
بينما رأى آخرون أنه استمرار للغة المزدوجة التي عُرفت بها الجماعة، إذ تحاول أن تُقدّم نفسها كحليف “ناصح” للسلطة المؤقتة، من دون الدخول في مواجهة مباشرة قد تعرّضها للمزيد من العزلة.
عالقون بين الماضي والحاضر
اليوم، تقف جماعة الإخوان المسلمين في سوريا أمام معادلة صعبة، فهي من جهة تواجه رفضًا رسميًا واضحًا يحول دون عودتها للعمل العلني، ومن جهة أخرى تحاول الحفاظ على حضورها السياسي عبر بيانات ومواقف لا تحمل التزامات عملية واضحة.
هذا الوضع يجعلها عالقة بين خيارين متناقضين: الانتظار في الظل على أمل تغير الظروف، أو الاستمرار في إطلاق خطابات عامة تمنحها مساحة رمزية في المشهد من دون تأثير فعلي.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن عودة الإخوان إلى المشهد السوري ليست قريبة، فالعقبات القانونية والسياسية ما زالت قائمة، والسلطة الجديدة لا تبدي أي رغبة في فتح الباب أمامهم.
ورغم محاولات الجماعة تبني خطاب أكثر اعتدالاً وتوجيهًا للرسائل الإيجابية إلى الداخل والخارج، فإن افتقارها لخطوات عملية يعزز الانطباع بأنها تراهن على الزمن لا على الفعل السياسي المباشر.
وبينما يسعى أطراف المعارضة إلى إعادة ترتيب أوراقهم في مرحلة ما بعد الأسد، يظل مستقبل الإخوان معلقًا بين رغبة في العودة وواقع يفرض عليهم البقاء في الهامش.