تستعد الرياض لاستضافة قمة خليجية أمريكية غير رسمية غدًا، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، خاصةً فيما يتعلق بقطاع غزة، وتأتي هذه القمة في وقت حساس، حيث تسعى الدول الخليجية إلى بلورة موقف موحد تجاه المقترحات الأمريكية بشأن مستقبل غزة، وسط رفض عربي واسع لأي خطط تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي للقطاع.
أهداف القمة الخليجية الأمريكية
وتوجد عدة أهداف بارزة للقمة الخليجية الأمريكية، على رأسها: مناقشة مستقبل قطاع غزة، حيث تسعى الدول الخليجية، بقيادة السعودية، إلى تقديم خطة بديلة للمقترح الأمريكي الذي يهدف إلى تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” مع تهجير سكانها إلى دول مجاورة، وتتضمن الخطة العربية إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة، بقيادة دول الخليج، مع التأكيد على بقاء الفلسطينيين في أرضهم ورفض أي محاولات لتهجيرهم.
كما تهدف إلى تعزيز العلاقات الخليجية الأمريكية؛ حيث تأتي القمة في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، خاصةً في مجالات الأمن والدفاع، في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة.
بالإضافة إلى مناقشة مسار التطبيع مع إسرائيل، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى دفع دول الخليج نحو مزيد من خطوات التطبيع مع إسرائيل، إلا أن هذه الجهود تواجه عقبات، أبرزها الموقف من القضية الفلسطينية وضرورة تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف.
قضايا ساخنة على طاولة ترامب والقادة العرب
فيما ينتظر مناقشة عدة قضايا شائكة، منها الرفض العربي لمقترح ترامب بشأن غزة، حيث أعربت دول عربية، منها مصر والأردن، عن رفضها القاطع لأي خطط تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، معتبرةً أن مثل هذه الخطط تشكل تهديدًا للأمن القومي وتزيد من حدة التوترات في المنطقة.
وتعمل الدول الخليجية، بالتعاون مع مصر، على وضع خطة لإعادة إعمار غزة، تتضمن إنشاء مناطق آمنة داخل القطاع وتوفير الدعم المالي اللازم، مع التأكيد على ضرورة إشراف فلسطيني مستقل على هذه العملية.
بينما يتوقع مناقشة مستقبل العلاقات الخليجية الإسرائيلية، حيث تواجه جهود التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل تحديات، خاصةً في ظل المواقف المتباينة بشأن القضية الفلسطينية، حيث تشترط بعض الدول تحقيق تقدم في هذا الملف قبل المضي قدمًا في خطوات التطبيع.
ويسعى ترامب، بحسب Financial Times، إلى تحريك ملف التطبيع من جديد، خاصةً مع السعودية، إلا أن الرياض تربط أي تقدم في هذا المسار بـ”حل جذري للقضية الفلسطينية”، ما يجعل من التفاهم بشأن غزة مدخلًا إلزاميًا لأي تفاهمات مستقبلية مع إسرائيل.
هل تنجح القمة في تحقيق أهدافها؟
يشير العديد من المحللين إلى أن القمة قد لا تُفضي إلى اتفاقات كبرى معلنة، لكنها ستُستخدم كمنصة لصياغة “صفقات صامتة” تمهّد لتفاهمات أوسع لاحقًا.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة Financial Times (مايو 2025)، فإن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب تدرك أن تمرير رؤيتها لمستقبل غزة – دون إشعال معارضة إقليمية شديدة – يتطلب شراكة محسوبة مع السعودية، التي تملك مفاتيح الملف الفلسطيني عربيًا.
مكاسب القمة الخليجية الأمريكية
وفي المقابل، تسعى الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، إلى تحقيق مكاسب مزدوجة، أولًا: ضمان ألا تتحول خطة ترامب بشأن غزة إلى عبء سياسي أو أمني على الدول المجاورة، وثانيًا: بحث ملفّات إقليمية، مثل: الملف النووي الإيراني، أو تعزيز التعاون الدفاعي والتكنولوجي.
بالإضافة إلى مكاسب محتملة للطرفين، فالولايات المتحدة وتحديدا ترامب، هو اختبار أولوياته الخارجية بعد عودته للرئاسة، وكسب دعم خليجي لمبادرة سياسية يُسوّقها داخليًا كـ”نجاح دبلوماسي”، ومحاولة إعادة إطلاق مسار التطبيع، أما الخليج خاصة السعودية فستنجح في كسب فرض شروطها في أي خطة لإعادة إعمار غزة، وتأكيد الدور القيادي في المنطقة، بعيدًا عن الإملاءات، والحفاظ على التوازن بين دعم الفلسطينيين وتحقيق مصالحها مع واشنطن.
ويتوقع أن تكون القمة قصيرة نسبيًا من حيث التصريحات العلنية، مع تركيز أكبر على الجلسات المغلقة، ويُرجّح أن تُصدر بيانات فضفاضة تؤكد “أهمية الاستقرار الإقليمي ورفض تهجير الفلسطينيين”، دون التطرق لتفاصيل خطط ترامب.
ويرى مراقبون، أن نجاح القمة سيكون مرهونًا بقدرة الطرفين على تدوير الزوايا الخلافية حول غزة والتطبيع، دون كسر التوازنات الداخلية للدول العربية أو المساس بموقفها من الحقوق الفلسطينية.
موقف عربي موحد
ويرى الخبراء، أن السعودية تلعب دورًا محوريًا في صياغة موقف عربي موحد تجاه مقترحات ترامب بشأن غزة، وتسعى إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على الأمن القومي العربي وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.
وأكدوا أن اختيار الرياض كمكان للقمة يعكس الثقة الأمريكية في الدور السعودي كوسيط دبلوماسي قوي ونزيه، وقادر على جمع الأطراف المختلفة لمناقشة القضايا الإقليمية الحساسة.
لذا تأتي القمة الخليجية الأمريكية في وقت حساس، حيث تسعى الدول الخليجية إلى بلورة موقف موحد تجاه المقترحات الأمريكية بشأن مستقبل غزة، مع التأكيد على رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي للقطاع، كما تسعى هذه الدول إلى تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مع الحفاظ على مصالحها وأمنها القومي.