كشف تقرير صادر عن “معهد العلوم والأمن الدولي”، أن إيران تواصل بناء منشآت نووية متطورة تحت الأرض، في منطقة جبل كولانغ غاز، محصنة بمستوى أمني عالي ومرتبطة مباشرة بمرافق نووية رئيسية كمجمع نطنز.
الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية في مارس الماضي أظهرت مداخل محصنة، وجدرانًا إسمنتية شاهقة، وطريقًا متدرجًا يلتف حول الجبل؛ ما يعكس مستوى الجدية في تعزيز هذه المنشآت.
ويشير التقرير أن هذه المجمعات، التي يجري العمل عليها منذ سنوات، أقيمت على أعماق تفوق تلك المسجلة في منشأة “فوردو” النووية؛ مما يعقّد من إمكانية استهدافها عبر ضربات جوية تقليدية، ويثير الشكوك حول نوايا إيران في استخدام هذه المنشآت لتخزين مواد نووية حساسة.
رسائل غير معلنة.. إشارات أمنية بدلًا من الشفافية
رئيس المعهد، ديفيد أولبرايت، قال: إن التعزيزات الأمنية حول مجمعات الأنفاق تؤكد أن إيران باتت قريبة من تشغيل هذه المنشآت، مضيفًا: أن السلطات الإيرانية ترفض حتى الآن السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إليها.
ويرى أولبرايت، أن هذه السرية تعزز المخاوف من أن تكون طهران بصدد إخفاء مواد نووية غير معلنة، وربما أجهزة طرد مركزي متقدمة يمكنها تخصيب اليورانيوم بدرجات عالية تكفي لإنتاج سلاح نووي في وقت قصير.
الموقف الأمريكي.. تحذير وتحرك دبلوماسي
التقرير يأتي في وقت حساس، إذ تستعد الولايات المتحدة وإيران لجولة ثالثة من المحادثات حول احتمال إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018.
وقد جدد ترامب، خلال تصريحات له، تهديداته بضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يضمن عدم امتلاك طهران لسلاح نووي. الانسحاب الأمريكي من الاتفاق فتح الباب أمام إيران لخرق العديد من التزاماتها النووية، ما أعاد الأزمة إلى نقطة الصفر.
إسرائيل على خط النار.. ضربة استباقية محتملة
في تل أبيب، لا تخفي الحكومة الإسرائيلية قلقها من التطورات الإيرانية. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يؤكد مرارًا أن أي اتفاق مع طهران لا يجب أن يكتفي بتجميد البرنامج النووي، بل يجب أن يؤدي إلى تفكيكه بالكامل.
ولم تستبعد إسرائيل خيار توجيه ضربة عسكرية وقائية، خاصة في حال فشل المحادثات الدبلوماسية، وتواصلت المؤشرات على تسريع إيران لبرامجها النووية.
الرد الإيراني.. إجراءات احترازية أم تحدي سياسي؟
من جهته، لمح محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إلى ما وصفه بـ”التوسع في الإجراءات الاحترازية” داخل المنشآت النووية، في تصريح له خلال فعالية بمناسبة تأسيس الحرس الثوري الإيراني.
وأشار أن تلك الإجراءات تهدف إلى حماية البرنامج من التهديدات الخارجية، دون أن يوضح طبيعتها أو علاقتها المباشرة بمجمعات الأنفاق.
البرنامج النووي بين السلمية والتسلح
رغم نفي إيران المتكرر لسعيها لامتلاك سلاح نووي، إلا أن استمرارها في بناء منشآت سرية ومحكمة تحت الأرض يضع علامات استفهام كبيرة حول الأهداف الحقيقية لبرنامجها النووي.
وتقول طهران: إنها تملك “الحق المشروع” في التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، إلا أن التصعيد في بناء منشآت يصعب مراقبتها قد يعزز فرضيات امتلاكها لبرنامج تسلح مخفي.
أزمة مفتوحة على جميع السيناريوهات
التقرير الأخير يعكس حجم التعقيد في الملف النووي الإيراني، إذ تتقاطع فيه المصالح الأمنية مع رهانات السياسة الدولية.
بين تهديدات أمريكية، وتحذيرات إسرائيلية، وإصرار إيراني على المضي قدمًا، تبقى الأزمة مفتوحة على جميع السيناريوهات، من الاتفاق إلى المواجهة.