يشهد العراق واحدة من أكثر اللحظات السياسية حساسية في تاريخه الحديث، مع اقتراب البرلمان من التصويت على مشروع قانون يهدف إلى تحويل هيئة الحشد الشعبي من تشكيل مؤقت مرتبط برئيس الوزراء، إلى مؤسسة أمنية متكاملة لها هيكلة خاصة وميزانية مستقلة وأكاديمية عسكرية.
هذه الخطوة تثير انقسامًا داخليًا واضحًا، حيث يعتبرها البعض استكمالًا لعملية دمج الحشد في المنظومة الرسمية، فيما يتخوف آخرون من أن تؤدي إلى خلق “حرس ثوري عراقي” يغير موازين القوى ويكرس نفوذ فصائل مرتبطة بإيران.
من هيئة مؤقتة إلى مؤسسة دائمة
القانون الجديد يمثل انتقالًا جوهريًا في وضع الحشد الشعبي، فبعد أن أقر قانون عام 2016 لدمج الحشد ضمن القوات المسلحة تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة، بقيت تفاصيل مهمة مثل الرواتب والتقاعد والهيكلة غامضة.
بينما القانون الحالي فيسعى إلى سد هذه الفجوات عبر منح الحشد امتيازات مساوية للمؤسسات الأمنية الأخرى، ورفع منصب رئيس الهيئة إلى مستوى وزير وعضو في مجلس الأمن الوطني.
هذه التغييرات تجعل من الحشد مؤسسة أمنية دائمة، لها استقلالية إدارية ومالية، بما يشبه وزارتي الدفاع والداخلية.
مخاوف من هيمنة فصائل مسلحة
أحد أبرز المخاطر التي تُثيرها الخطوة هو احتمال منح الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران غطاءً شرعيًا لتعزيز وجودها السياسي والعسكري.
فالقانون يمنح الحشد ميزانية مستقلة وإمكانية تطوير أذرع عسكرية مختلفة، ما يفتح الباب أمام تكوين قوات برية وجوية وبحرية خاصة به، وبذلك يتحول الحشد إلى قوة موازية للجيش العراقي، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات نشوب توترات أو صدامات داخلية على غرار ما حدث في بغداد خلال السنوات الماضية.
تداعيات سياسية وانتخابية
لا يقتصر الجدل على الجانب الأمني، بل يمتد إلى المشهد السياسي، إذ ينظر إلى مشروع القانون باعتباره ورقة يمكن أن تعيد تشكيل ميزان القوى في الانتخابات المقبلة.
إقرار القانون قد يمنح الكتل المرتبطة بالحشد قاعدة أوسع وشرعية أقوى للمنافسة السياسية، بينما ستسعى قوى أخرى إلى عرقلته حفاظًا على التوازن داخل البرلمان وخارجه، وهكذا يُصبح القانون أداة لإعادة رسم الخريطة السياسية، وليس مجرد إطار قانوني لتنظيم القوات المسلحة.
أبعاد إقليمية ودولية
يتجاوز الجدل حدود العراق، ليأخذ أبعادًا إقليمية ودولية، فبينما ترى بعض القوى المحلية أن الأمر شأن داخلي، تخشى أطراف أخرى من أن يرسخ القانون نفوذ إيران داخل العراق بشكل أكبر، بما يهدد التوازن الإقليمي ويزيد من التوتر مع الولايات المتحدة وحلفائها.
كما أن تمرير القانون قد يفتح الباب أمام ضغوط أو عقوبات دولية على بغداد، وهو ما يضع الحكومة العراقية أمام معادلة صعبة بين الاستجابة لمطالب قوى داخلية نافذة، وبين تجنب مواجهة مع المجتمع الدولي.
الموقف الكردي والسني
القوى الكردية والسنية أبدت تحفظات كبيرة على مشروع القانون، إذ يخشى الأكراد من أن يتحول الحشد إلى مؤسسة عسكرية موازية تعمل خارج التوازنات الدستورية، في حين تخشى القوى السنية من أن يُؤدي ذلك إلى تكريس الانقسام الطائفي ومنح فصائل معينة نفوذاً واسعاً في المناطق المختلفة، هذه المواقف تجعل من تمرير القانون مهمة شائكة تحتاج إلى توافق وطني واسع لم يتحقق بعد.
في ضوء هذه التطورات، يطرح المراقبون سؤالًا محوريًا، هل يتحول الحشد الشعبي إلى حرس ثوري جديد في العراق؟ فالمؤشرات تُشير إلى أن القانون، بصيغته الحالية، لا يقتصر على دمج الحشد ضمن الدولة، بل يمنحه بنية مؤسسية مستقلة تعزز من قوته ونفوذه.
وإذا لم توضع ضوابط واضحة تضمن خضوعه التام لسلطة الدولة، فقد يجد العراق نفسه أمام مؤسسة عسكرية موازية، بما يعمق الانقسام الداخلي ويُهدد وحدة مؤسساته الأمنية.